الجمعة، 8 أغسطس 2008

لآلئ راشد الزياني.. في " البحرين بين عهدين "



الباحث.. الكاتب.. رجل الاعمال .. التاجر .. الوجيه.. كلها القاب ودلالات يمكن ان تسبق اسم راشد الزياني . غير ان الرجل في الحقيقة لا يحتاج لاي من هذه الالقاب والتعريفات , اذ يكفي ان تقول راشد الزياني , ليدرك القارىء او السامع انك تقصد الرجل الذي صنع كل هذه الالقاب والمراكز الوظيفية والمعنوية التي احتلها بملكاته المتعددة , او استسلمت هي اليه طائعة مختارة ..

ما كان لراشد الزياني ان يختار توقيتا لاصدار كتابه الثالث " البحرين بين عهدين " أفضل من الوقت الراهن . ففي هذا الوقت الذي يتماهى فيه تاريخ البحرين , مع تداعيات السياسة , وتعمل فيه بعض مفاعيل هذه السياسة على فرض تغييب قسري على بعض مراحل هذا التاريخ او حقائقه .. في هذا الوقت بالذات تبدو مبادرة الزياني " ضربة معلم " . اذ انها نجحت تماما في تنشيط الغدد الصنوبرية , في الدماغ البحريني , واحياء جزء من الذاكرة التاريخية للمملكة , استباحته السياسة . المثير هنا ان راشد الزياني لم يكتب تاريخا , ولا كتب سياسة ايضا . انه فقط غاص في التاريخ , فخرج منه محملا باللؤلؤ . وهذه هي مهنة راشد الزياني التي ورثها عن آبائه واجداده . ولكن لآلىء راشد الزياني التاريخية , اثمن بكثير من كل اللآلىء التي توضع على جيد النساء , فالرجل غاص وأخرج من اللؤلؤ النادر ما يصلح لتزيين جيد مملكة . وكتاب " البحرين بين عهدين " , لا يعتبر في الواقع بحثا تاريخيا بقدر ما هو تنقيب في التاريخ . ويمكن وصفه بأنه أوراق بحرينية , ما تزال تحمل على مر الدهور والاعوام نكهة البحرين القديمة نسبيا , بكل ما في تلك النكهة من لذعة الحضور الدافق , ووجدانية الغياب في المجهول .

والكتاب, يشكل قراءة سلسة, بسيطة, في تاريخ كان بسيطا فعقدته السياسة. فالزياني , في " البحرين بين عهدين " لا يحاكم التاريخ , ولا هو معني بتصنيفه ايدولوجيا , انه يفعل تماما كالغواص الحاذق : يغوص الى تلك الاعماق المظلمة , فيخرج منها ما تيسر , وعلى السطح يقوم بفرز ما امتلأت به جعبته , فلا يستبعد شيئا . فثمة حاجة لكل شيء , وثمة وظيفة لكل محارة . وبعضها قد يبدو في عيون الجاهلين بلا فائدة , ولكن عيون خبير اللؤلؤ العريق والحاذق , والغواص المتمكن , تستطيع ان ترى ما لا يراه الغير . يتضح هذا بشدة من خلال الوثائق " العادية " جدا التي استخرجها الزياني من البحر المظلم للتاريخ , فأعاد قراءتها بما ينبغي لها من حنكة ودراية وفهم عميق , وتسامح قد يظهر للبعض مرنا , ولكنه عند العارفين والخبراء اكثر صرامة وتشديدا من شروط المؤرخ . ونشاطات راشد الزياني في التأريخ للبحرين القديمة نسبيا ـ وبحرها , ولؤلؤها , وناسها , وعاداتها , وتقاليدها , وتلك البهجة العفية فيها على رغم الكثير من ضنك الحال , وتداعي العوامل السياسية والاقتصادية وأطماع القريب والبعيد على حد سواء ـ في النصف الاول من القرن الماضي, هي التي - من بين نشاطات وكتابات اخرى - جعلت كثيرا من مراقبي هذا التاريخ والباحثين فيه , يلتفتون الى ما يتجاهله المؤرخون في العادة . بل انها جعلت الكثير من البحرينيين يعيدون النظر في انتمائهم الشخصي الى البلد التي عاشوا فيها وشكلت وجدانهم, أطفالاً وشباباً ورجالاً ونساءا.. فراشد الزياني , استطاع في ثلاثيته " ذكريات وتاريخ " , " الغوص والطواشة " , " البحرين بين عهدين " , ان يكسب هذا الانتماء وجدانا أكثر شفافية , وان يظهر من العلائق التي تبدو بسيطة , ولكنها في الواقع عميقة جدا , ما يكفي لاكتشاف الذات الجمعي للوطن وانسانه . وبهذا المعنى, فإن الزياني هو احد مؤسسي حزب " البحرين اولا .. " , فالبحرينيون يولدون ويربون ويراهقون ويعرفون الحب الاول ويتعلمون ويعاركون الحياة والكتب والنساء والاصدقاء والاحزاب والمظاهرات والنجاح والفشل في البحرين .. بما هي كيان واحد رحب يطلع من جذر البحر , وتسري دماؤه مع نسغ نخيل الارض , ثم يدعون بأنهم من المحرق , او المنامة , او ستره , او مدينة عيسى.. وهذا ما تحرر منه راشد الزياني , وحرر معه الكثيرين , عبر ثلاثيته الاكثر عمقا في حب البحرين .

والزياني الذي يبحر في كل " أشياء " القرن الماضي , واوراقه , ورسائله , وذكرياته بذكاء الباحث الانثروبولوجي الوطني, ولغة الاديب الشاعر , واصرار الغواص الذي لا يكل ولا يتعب , وحنكة التاجر الذي لا يرى من الحكمة القاء اي شيء , بل يستفيد من كل صغيرة وكبيرة , صنع كتاباً بهيجا على رغم ما فيه من عوامل القهر احيانا . وهو مزيج من المادة البحثية الدقيقة بتفوق , والنص المتخيل بشاعرية ورومانسية .. يأخذ خيوطاً من الوقائع والانطباعات المسجلة او المروية , و " يشك " فيها ما استخرجه من لآلىء ودانات الوثائق , ليصنع منها عقودا , ليست للزينة بالضرورة, ولكنها, بالتأكيد, تزين جيد الامس البحريني البهي , وتعيد اظهاره بجلاء , وطهارة , ونقاء .. وهي تشكل ايضا ذخيرة للحاضر , ورصيدا للمستقبل .

وفي كل دانة من دانات الزياني , ستجد التاريخ مكتوبا بصفاء , والحياة الاجتماعية مرسومة بشاعرية , وبلغة تجمع السيناريو الى الحوار , فتعطي للصورة المفردة او الجامعة مشهدية مكثفة بالحياة , تجعلها تبدو وكأنما تحدث الآن . وهو حين يتذكر , فيكاد يبدو وكأنما يمد نظره للبعيد , ثم تعود اليه تلك النظرة الطويلة المترامية , لترسم له , ولنا بانوراما كاملة , تحتشد فيها الصور والانطباعات والرؤى والمشاعر , الى الدرجة التي يشعر فيها قارىء الكتاب , وكأنه في مناخ افتراضي صنعته يد تقنية مبدعة لواقع حقيقي بكل تفاصيله الصغيرة والكبيرة . غير ان " العم راشد" , لا يعترف بأن ثمة شيئا صغيرا في التأريخ .. فكل حرف في وثيقة , هو لؤلؤة ثمينة , وكل نص مكتوب او مسجل او منقول , هو ثروة , وفي كل ملاحظة الف صورة , وفي كل صورة الف حقيقة , بعضها غيبته السياسة , وبعضها غيبه التاريخ المنحول , وبعضها طواه النسيان الظالم .. ولكن الزياني استبعد كل هذه العوامل ـ الطبيعية وغير الطبيعية ـ وجلى تلك الصور , بكل حقائقها , وكل ما فيها من نكهة وطعم ورائحة ...

إن كثيرا من ابناء هذا الجيل , وربما الجيل السابق , لم ينجحوا بعد في اكتشاف علاقتهم الروحية الخاصة , والشخصية , وتلك العلاقة الروحية الجمعية بالبحرين , غير ان راشد الزياني , يفعل ما فعله يوسف شاهين بمدينته الاسكندرية , وما فعله تشارلز ديكنز بمدينته لندن , وما فعله عبد الرحمن منيف بمدينته عمان , فهو يقدم لابناء هذا الجيل والجيل السابق واللاحق ايضا , فرصة تمنحهم النظر الى التاريخ المعاصر للبحرين " المدينة والمملكة " بوصفها فضاء كوزموبوليتي ضاعت منه بعض تفاصيله , ولكن بقيت فيه طلاوة المكان والزمان , وبهجة الحقيقة النظيفة , وبقيت فيه بيوتاته وعائلاته وذاكرته الوجدانية , والتفاصيل الاكثر نقاءا من تاريخه المرتبط بالحاضر على نحو وثيق وشفيف .. بل استطيع القول ان الزياني في كتابه " البحرين بين عهدين " يكشف عن مخزن وفير للابداع الادبي والدراما السينمائية , ينبغي ان يلتفت اليه مخرج عبقري , كأساس لدراما تاريخية ملحمية , للبحرين المعاصرة ..

الدكتور عبد اللطيف جاسم كانو .. أمين بيت القرآن




يحب كثير من الناس المخطوطات النادرة حبا جما, والدكتور عبد اللطيف كانو , واحد منهم . ولكن هذا الوّراق الذي يجمع بين العراقة والحداثة والذائقة الرفيعة في مكان واحد , وشخصية واحدة , يتجاوز حدود الحب الى تخوم الشغف . وهو يعبر عن هذا العشق العفي بتبجيل منقطع النظير , يمكن أن نعثر على بعض ملامحة في الصفة التي يحب أن ترافق اسمه على الدوام : أمين بيت القرآن ..

في كل البورتريهات, كنا نتوجه لرصد ملامح الشخصية التي نكتب عنها . ولكن هذا لا يمكن مع الكتابة عن الدكتور عبد اللطيف جاسم كانو . فالارتباط بين الرجل والصرح العظيم حميم وتاريخي وشفاف وعميق , الى الدرجة التي تحول دون فصل احدهما عن الآخر . وعلى الرغم من التخصص الاكاديمي والفكري الرفيع الذي يتمتع به الدكتور عبد اللطيف , والانشغالات العملية والفكرية المتعددة , فانه يمارس تفاصيل حياته حاملا لرسالة بيت القرآن ومبشرا بها حيثما حل واينما ارتحل . إننا بهذا الوصف لا نختزل شخصية الرجل في البيت , ولا شخصية الصرح بناسكه وفيلسوفه , ولكن نقارب بين اقنومين في واحد , وروح في كيانين ..

اما البيت والصرح الجليل الذي كان الدكتور أحد مؤسسيه , وصاحب فكرته , والمبشر الاول برسالته , فيمكن أن يدلك على اعمق تفاصيل شخصية امينه العام منقوشة على شغاف جدرانه وفي افياء قاعاته وأروقته .. فتشعر أن الكيانين الجليلين يتبادلان الافصاح كل منهما عن الآخر برفعة وسمو وعرفان مقيم مقيم ..

في محاضراته وأحاديثه التي يتحدث فيها الدكتور عبد اللطيف كانو عن بيت القرآن يردد دائما أنه يضم خمسة عناصر يكمل بعضها بعضا . وفي كل مرة سمعته او قرأته , كنت أضيف اليها عنصرا سادسا اصيلا وملهما يتجافى الدكتور الطيب عن ذكره تواضعا . على ذلك ؛ فبيت القرآن يشتمل تقريبا على نحو 6 آلاف مخطوطة من أندر المخطوطات العربية والإسلامية ، إضافة إلى حوالي 50 ألف مجلد من مختارات ما أنتجته المطابع العربية والأجنبية بمختلف اللغات..

وحين يبين هذه العناصر مبتدئا بمسجد عبد الرحمن جاسم كانو، وقاعة محمد بن خليفة آل خليفة للمؤتمرات والندوات، ومكتبة الفرقان الجامعة لما يتعلق بالقرآن الكريم، ومدرسة يوسف بن أحمد كانو لعلوم القرآن وتحفيظه، ثم متحف الحياة المكون من 10 قاعات واسعة، بينها قاعة مكة المكرمة للمخطوطات النادرة، وقاعة المدينة المنورة التي تشتمل على كنوز لا تقدر بثمن من المصاحف النادرة، وقاعة القدس الشريف , التي تحتوي كل ما هو نادر ولا مثيل له من تراثيات فنون الخط والكتابة والمقاييس العربية .. كنت اهمس لمن معي مستدركا : ثم العاشق الصب لكل هذه العناصر وما تحتويها : الدكتور عبد اللطيف كانو ..!

يعتبر الدكتور عبد اللطيف كانو ثاني ابرز علمين عربيين ـ الاول ناصر الخليلي ـ عرفهما العالم عبر مجموعتيهما الخاصتين من المصاحف النادرة والتي لا تقدر بثمن . ولكنه العربي الاول الذي تنازل عن مجموعته المتناهية القيمة من المصاحف والمخطوطات النادرة , وقدمها هدية الى مؤسسة ما .. ومع ان المؤسسة التي قدم لها الدكتور كانو هديته هي بيت القرآن , فان هذا لن يؤثر على مقدار ما في مبادرة الرجل من ايثار ونبل واريحية نادرة ..

واذا كان يفترض بهذه الهبة , ان تعطينا فكرة عن الرجل , فهي ولا شك تعطينا ايضا فكرة موازية عن البيت , الذي يعتبر الاول من نوعه في العصر العربي الحديث , والذي يعيد الى الاذهان تذكاراتنا المتخيلة عن " بيت الحكمة" الذي انشأه الخليفة العباسي ابو جعفر المصور في بغداد عام 786 , وعن "دار الحكمة" التي انشأها الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله في القاهرة .. فبيت القرآن ليس مجرد متحف , او بناء معماري اسلامي بشكله ومحتواه وهندسته فحسب . انه صرح تاريخي وثقافي وخزانة مخطوطات تحوي امهات من الكتب التراثية الخالدة , ومجمع فكري استقطب العديد من مفكري العالم الاسلامي الذين حجوا اليه من كل فج عميق ليشهدوا على ريادة هذا البيت , ويشاركوا في نشاطاته وندواته .. وبهذا المعنى فبيت القرآن , هو المكافىء البحريني للمكتبـة البريطانية بلندن والمكتبة الوطنية بباريس ومكتبة الفاتيكان بروما، ومكتبة شيستربتي بدبلـن , ومكتبة متحف استنبول بتركيا , ودار الكتب المصرية معا .. بل ربما يتقدم على كل هذه العناوين الخالدة من واقع كونه الدارة العالمية الاولى التي شيدت لتكون رمزا للمحافظة على القرآن الكريم عبر العصور. وبهذه الرمزية فالبيت لا يعتني بالحفظ المادي للقرآن , من خلال اقتناء المصاحف النادرة فقط , بل يعتني ايضا بالحفظ المعنوي للقرآن , من خلال مسجد عبد الرحمن كانو , و مدرسة يوسف بن احمد كانو لعلوم القرآن وتحفيظه ..

ولد ناسك بيت القرآن وفيلسوفه وامينه العام في 22 ديسمبر العام 1935 بالمنامة. حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة تكساس بالولايات المتحدة الأمريكية في العام 1970 . وحصل على الماجستير في الهندسة الإنشائية والمدنية من جامعة بتسبرج في ولاية بنسلفانيا بأمريكا ، و شغل منصب وكيل وزارة الإسكان والبلديات والبيئة ما بين العام 1975م وحتى سبتمبر العام 1996، وأصبح عضوا في مجلس الشورى البحريني في سبتمبر عام 1996 . ولعل نشأته في اسرة ارستقراطية ثرية , منحته ذائقة خاصة , قد يرى فيها البعض نوعا من الترف . غير ان الدكتور الذي تقاطعت اهتماماته الفكرية مع تخصصه الاكاديمي , وملكاته في البحث والدراسة , طور هذه الذائقة على نحو متماسك , ووظفها لاجتراح الفكرة التي انبثق عنها بيت القرآن , بما هو صرح حضاري بحريني المنشأ والصفة والوجود , اسلامي الهوية والجوهر .. كما كانت هذه الذائقة موئلا لفتوحات بحثية ودراسية انجزها الدكتور عبد اللطيف كانو , من مثل دراسته القيمة عن الارقام العربية ودلالاتها الحضارية , والتي اودعها كتابا يحمل عنوان :" الأرقام العربية نبع الحضارة الانسانية" , ومصفوفة أخرى من الكتب المتخصصة من مثل : " على خطى الرسول صلى الله عليه وسلم" ، " المنتخب من الفنون الإسلامية" ، " الرسائل النبوية الأولى ـ دعوة إلى الإسلام" .. وغيرها ، إضافة لاعتباره واحدا من ابرز خبراء المخطوطات على مستوى الوطن العربي , وربما العالم ..

وحتى تصل الى مشارف الشخصية التي جمعت كل هذه الفرادة , فلك ان تفكر بالعلامة محمود شاكر , ممزوجا بناصر الخليلي , مع شيء من الصاحب بن عباد , وبعض من ابن حزم الاندلسي , وعليهم نكهة من الاماراتي جمعة الماجد , واللبناني الشيخ ناصيف اليازجي , والاردني "الدكاترة" ناصر الدين الاسد .. انه رجل بنى سيرته مدفوعا بذائقته المرموقة , وملكته الرفيعة , وايمانه العميق , ودور ريادي اختاره لنفسه في الحياة , فاصبح مرادفا لاسمه وحيثيته وصفاته .. فكان بحق : امين بيت القرآن ..

عبد الحكيم الخياط ... قيادة شابة ببصمات إنسانية !



كرئيس تنفيذي لواحدة من اكبر المؤسسات المالية في البحرين ؛ يتمتع عبد الحكيم الخياط ، بمسلك خاص ، وخط إنساني فريد وشديد التميز : حازم لكنه مفعم باللطف ، ومتحمس ولكنه مع ذلك هادئ وبسيط ، ومطلع ولكنه يكره الاستعراض ، ودقيق ولكنه لا يمانع في معالجة عدة أمور دفعة واحدة ؛ أما مشاعره التي تبدو في الظاهر انطباعية ، فإنه وان كان لا يمانع في إظهارها ، إلا انه لا يسمح لها في النهاية بالتأثير على قراراته الإستراتيجية . إنها السجايا التي جعلت من عبد الحكيم الخياط ، جامعا لمواصفات الرئيس التنفيذي حسب المقاييس الغربية ، ومواصفات سيد الأعمال النابه حسب المتطلبات الشرقية العربية ، وهو امتزاج متعادل على نحو شفيف ودقيق للغاية جعل من هذا المدير الشاب رجل أعمال مهيب ، ولكن مهابته تكمن في بساطته ؛ وفي كونه قائدا إنسانا ، يتفاعل مع المحيط المجتمعي من حوله ببساطة وتلقائية ، ونوايا مفعمة بالعطاء والمشاركة ، في حين يعيش داخل مجموعة بيت التمويل الكويتي وكأنه خلق لإيصال هذه المجموعة إلى المراتب القياسية الأعلى بين شركات المنطقة .

كانت لدى عبد الحكيم يعقوب الخياط آمال ذات مرة بان يصبح بطلا في رياضة كرة السلة، وهو ما زال يعاود الحنين لتلك الآمال ، ولكنه يعرف كيف يعبر عنها باقتدار ، من موقعه كمدير تنفيذي لمؤسسة مالية كبرى تمتلك خطوطا لا تكاد تنتهي مع المجتمع ومختلف فعالياته ، ومنها الفعاليات الرياضية بالطبع ، والتي يعتبر " بيت التمويل الكويتي " واحدا من ابرز رعاتها والرافدين لها .. ومن آمال طفولية بأن يكون بطلا ، تحول عبد الحكيم الخياط الآن إلى صانع لبطولات واعدة ، فيما يستمر " بيت التمويل الكويتي " في خلق المقاييس الأكثر رفعة في مجال انخراط المؤسسات المالية والتجارية في خدمة المجتمع ومسيراته التنموية ..

إضافة إلى منصبه كرئيس تنفيذي لـ " بيت التمويل الكويتي " ، يرأس عبد الحكيم الخياط مجلس إدارة بيت التمويل الكويتي ـ الأردن ، كما يرأس مجلس إدارة شركة درة البحرين ، صاحبة اكبر مشروع إسكاني في المملكة ، ويرأس أيضا مجلس إدارة شركة مينا تليكوم المتخصصة في قطاع الاتصالات والتي حصلت على أول ترخيص بخدمة الاتصالات اللاسلكية في المملكة ، وهو صاحب فكرة وعراب اكبر مجمع تكنولوجي في المملكة ، أطلق عليه اسم (تكنولوجي بارك) ، ومن المقرر إنشاؤه بشراكة مرموقة مع " مجلس التنمية الاقتصادية " ليكون نقطة جذب واستقطاب للمشاريع التكنولوجية المتقدمة على المستويين المحلي والعالمي. ومن هنا فينظر لهذا الشاب على انه برهان حي على قدرة القيادات الشابة، ودورها الناجز في مسيرة التنمية البحرينية وفي تشكيل مستقبل المنطقة الاقتصادي..

ولد عبد الحكيم الخياط عام 1965 بمدينة المنامة؛ في عالم صغير، آمن، فخور، ومتطلع : شرنقة من الأعراف المنحوتة من محيط محافظ ، وسماء من الطموحات مفتوحة على المدى . في أوائل سني الدراسة كان عليه أن ينهمك في تحقيق حلمه الرياضي الشخصي العتيد ، بعد ذلك ، وحين انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة إدارة الأعمال والمحاسبة في جامعة تكساس ، وجد نفسه ينهمك شيئا فشيئا في قضايا أمته المصيرية ، وأدرك أن عليه أن يتخلى عن بعض أحلامه الشخصية في سبيل تحقيق الأحلام الأكثر جدوى لوطنه وأمته . هناك وفي جامعة تكساس التحق ببرنامج دبلوم الدراسات الشرق أوسطية . يقول: " كنت أريد أن اعرف كيف ينظر المستشرقين إلى العرب والإسلام، فانهمكت في قراءة كتب المستشرقين عن الإسلام والحضارة العربية إلى الدرجة التي كنت امضي معظم وقتي في المكتبة ". وفي ظل رفوف المكتبة التي كانت تضم أكثر من 60 ألف عنوان عن الحضارتين العربية والإسلامية بدأت شخصية عبد الحكيم الخياط بالتشكل الناجز والناضج معا من خلال خيوط يلتقي عندها الاقتصاد بالتاريخ وعلم المحاسبة بالفكر والدراسات المالية بفذلكات المستشرقين. ويبدو أن تلك الخطوط، هي التي ساهمت فيما بعد في تكريس عبد الحكيم الخياط باحثا ومفكرا صاحب رؤية في مجال البنوك الإسلامية، ورجل أعمال صاحب رؤية في مجال دور المؤسسات الخاصة في خدمة المجتمع ورفد المشاريع التنويرية الرسمية..

بعد ذلك وفي العام 1992 عمل عبد الحكيم الخياط لدى شركة " أرنست آند يونغ " العالمية ؛ وبقي في هذه الشركة التي كانت حلما من أحلامه العملية حتى انتقل للعمل في مجموعة بيت التمويل الكويتي، مكلفا من المجموعة بتأسيس " بيتك ـ البحرين " . لذلك يبدو من الواقعية والموضوعية أيضا القول بأن حضور عبد الحكيم الخياط في قصة تكوين " بيت التمويل الكويتي ـ البحرين " هو حضور تأسيسي، مركزي لا يدانى.. فقد منح للشركة هويتها, وصلابتها التكوينية ، وقدرتها الفائقة على التمدد عموديا وأفقيا ، وكذلك حصافتها الإدارية التي جعلت منها موئلا لاستقطاب رؤوس الأموال الاستثمارية ومن ثم تجييرها إلى مشروعات بحرينية وخليجية وعالمية عملاقة من مثل : إنشاء مشروع إسكان درة البحرين ، تأسيس شركة مينا تيليكوم ، شراء شركتين نيوزلنديتين عريقتين ضمن عمليات صندوقه الاستثماري ، هما : " كانتبري " وهي أقدم شركة في العالم لتصنيع ملابس وأدوات رياضة الريغبى ، وشركة " ريدياس هيلث غروب " المتخصصة في مجال خدمات الرعاية الصحية المتكاملة .

في قائمة النخب البحرينية والخليجية يعد عبد الحكيم يعقوب الخياط شخصا منيعا، فهو ذكي، وقوي ، وخبير بكل جوانب مهنته ودوره ومناصبه المرموقة العديدة ، وبصفته مديرا تنفيذيا لواحدة من اكبر المؤسسات المالية والاقتصادية البحرينية ، فان ما يحسب له حقا إضافة إلى سلسلة النجاحات الكبرى التي حققها للمؤسسة ومجموعة الشركات التي يرأس مجالس إدارتها ، انه استطاع أن يجتاز الهوة التقليدية التي تفصل في العادة بين نخب المال والأعمال وبين المواطنين العاديين . وهو يقول في هذا الصدد : " المدراء التنفيذيون العظام كانوا أصحاب قيم إنسانية كبرى قبل أن يكونوا أصحاب مبادئ وانجازات " . ومع ذلك فسجل الانجازات التي حققها عبد الحكيم الخياط رئيسا تنفيذيا لـ " بيت التمويل الكويتي " حافل ، وثر ، ومشتمل على أرقام قياسية بحرينية وخليجية . " لقد حقق بيت التمويل الكويتي ـ البحرين مكاسب كبيرة بعد الاستثمارات المهمة التي دخل فيها على مدى السنوات الثلاث الماضية ، وبها استطاع أن يعزز إمكانياته ويقدم تشكيلة أوسع من المنتجات والخدمات المالية المبتكرة والمربحة مما يعزز الصناعة المصرفية الإسلامية على نطاق إقليمي ودولي " . بهذه العبارة المكثفة للغاية لخص عبد الحكيم الخياط انجازات " بيتك ـ البحرين " خلال السنوات الثلاث الأولى من عمر الشركة . أما تحليل هذه العبارة الشديدة الكثافة فيتضمن سلسلة لا تكاد تنتهي من المنجزات، منها:

ـ إطلاق أول برنامج توجيهي خاص في المملكة لابتعاث الطلبة المتفوقين والقادة الشباب . وهو البرنامج الخاص الوحيد في المملكة الذي يساهم في دعم عملية تطوير الجيل القادم من القادة البحرينيين. ويتمثل الهدف الأساسي لهذا البرنامج في تمكين الطلبة من تطوير مسيرتهم وحماسهم ومهاراتهم القيادية لكي يتفوقوا في مجال الاقتصاد العالمي .

ـ دعم المبادرات الوطنية التي تساهم في تعزيز التفوق والمعرفة والابتكار ، سواء من خلال الشراكة مع الحاضنات الوطنية المعنية كبرنامج سمو ولي العهد لابتعاث الطلبة المتميزين، أو من خلال المبادرة بتأسيس حواضر الإبداع والتقانات العالية كمشروع الـ " تكنولوجي بارك " .

وفي مسيرة ما تزال مرشحة للمزيد من الصعود ، فان المحاسب والرئيس التنفيذي ، والمثقف الحاصل على دبلوم الدراسات الشرق أوسطية عبد الحكيم الخياط لا يحاول فقط أن يطاول إرثا وطنيا عريقا ومجالا نهضويا عارما بالانجاز والريادة ظل دائما مواكبا لاسم مملكة البحرين في مجال التجارة والمال والاقتصاد ، بل ينهمك في المشاركة بصناعة محيط اقتصادي بحريني إسلامي ملتزم ، ومحيط أعمال بنكية صديقة للمجتمع وصديقة للفئات الأقل حظا على نحو خاص . وهو اختصر ملامح هذا المحيط ومعطياته ومعضلاته في مجموعة ثرة وقيمة من البحوث والدراسات وأوراق العمل التي قدمها في عدد من المؤتمرات العربية والعالمية .

عبد الحكيم يعقوب الخياط متزوج من الدكتورة هناء الخياط ، وله من الأبناء : محمد ، مريم ، ومروة . انه واحد من ابرز عشرة قياديين شبابا في المملكة. والذين عملوا مع هذا المدير الشاب النابه يعرفونه بجديته، ولكنهم يعرفون أيضا بصماته الإنسانية التي يصر دائما على أن يوشح بها أدواره ومشروعاته وقراراته.. ! .. إن قدرته على "أنسنة" العمل المصرفي لا يضاهيها سوى قدرته على " أسلمة " أعمال البنوك والتبشير باقتصاد إسلامي متكامل وقادر على المنافسة العالمية .. إنها طريقة عبد الحكيم الخياط للرد على ما قرأه من نتاجات المستشرقين الغربيين عن العرب والإسلام ، وهي طريقته في الانخراط بمسيرة التنمية البحرينية .

السبت، 19 يوليو 2008

البروفيسور الطبيب الشيخ خالد بن علي آل خليفة



الشافي هو الله . ولكن ثمة دائما دور حاسم للطبيب في حياة المريض أو في نوعية حياته . وفي بلاد الشام ومصر تنتشر هناك ظاهرة نشر إعلانات الشكر والثناء للأطباء الذين يظهرون براعة فائقة في معالجة مرضاهم . وفي العادة فإن حصة كبيرة من هذه الإعلانات تذهب للأطباء الجراحين الكبار . ولو كانت هذه الظاهرة سائدة هنا في البحرين ، لكان ثمة نصيب وافر جدا منها ، للبروفيسور الدكتور الشيخ خالد بن علي آل خليفة ، قائد الخدمات الطبية الملكية ، والجراح والنطاسي البارع ، الذي تعدت سمعته البراقة حدود المملكة إلى العالم الكبير ..

وفي المتن الإجتماعي لسكان بلاد الشام ، يشار في العادة إلى الطبيب بلقب " حكيم " ؛ للدلالة على جملة من السجايا التي تتجاوز البراعة العلمية والتحصيل العالي الى الطواف في فضاء الحكمة. وثمة كثيرون من الذين عرفوا البروفيسور الدكتور خالد بن علي آل خليفة ، يوافقون معي على أن نصيبا كبيرا من الثناء الذي يحظى به الرجل محليا وعالميا ، لا يتأتى فقط من براعته كطبيب حاذق ، وجراح نطاسي ؛ بل من سجاياه الرفيعة كـ " حكيم " ، ومن سمعته الأكاديمية والعلمية التي فتحت للرجل سجلا عالميا مرموقا ، متوجا بلقب ودرجة بروفيسور اللذين منحتهما للدكتور الشيخ كلية الجراحين الملكية الايرلندية ، فكان بذلك ، أول عربي من خارج ايرلندا ورابع طبيب على مستوى العالم ، يحصل على هذا اللقب اللامع ، وهذه الدرجة السامية بكل رفعتها ومقامها الأكاديمي المرموق ..

والواقع أن إنجازات العميد طبيب الشيخ خالد بن علي آل خليفة ، لا تتوقف على ما بناه لنفسه من سجل لامع ، وسمعة رفيعة ، وأبحاث رائدة ، وبراعة متميزة كإستشاري وجراح ، جلب الكثير من السعادة لمراجعيه ، والكثير من الشفاء لمرضاه . فقائد الخدمات الطبية الملكية ، وضع هذه المؤسسة الوطنية البحرينية ، على قائمة شرف المؤسسات الطبية العربية ، حين جلب إليها بفضل إدارته الحكيمة ، شهادة الإعتماد الدولية من قبل المجلس الأسترالي للمواصفات والمعايير العالمية للرعاية الصحية ، فكان المستشفى العسكري لقوة دفاع البحرين ، أول مستشفى يحوز هذه الشهادة عند أول مسح شامل على امتداد تاريخ المجلس . كذلك ، فقد حقق المستشفى العسكرى إنجازا تاريخيا آخر غير مسبوق ، بحصوله على درجة الإمتياز فى خمسة قياسات عالمية إجبارية ،لاعتماد المستشفيات . فى حين ، لم يتجاوز أعلى سجل لأي مستشفى عربي آو عالمي آخر درجة الإمتياز بأكثر من ثلاثة قياسات ، عند المسح الأول .. ! .. لقد أصبح المستشفى العسكري والخدمات الطبية الملكية بقيادة العميد طبيب الشيخ خالد بن علي آل خليفة ثروة وطنية ، وعلامة بحرينية مسجلة عالميا ، ومصدر فخر للوطن واعتزاز للقيادة ، وموئل شفاء وانسانية للمواطنين ، ومعاملة فوق العادة للمرضى والمراجعين والمستفيدين من خدمات هذا الصرح الوطني الكبير ..

كثيرون من الذين عرفوا البروفيسور الدكتور خالد بن علي آل خليفة ، يمنحونه قدرا عاليا من التبجيل الذي يليق بشخصية تفيض إنسانية ، وتتعدى في أبعادها الحصيفة ، حدود الروايات الفردية والإنطباعات الشخصية . فالطلاب الجامعيون الذين درسوا على يديه ، يعرفون فيه أستاذا بارعا ، وأكاديميا رفيعا ، وعالما تمتد سجاياه اللامعة إلى خارج حدود قاعات المحاضرات ، ومختبرات الجراحة . والمرضى الذين كتب الله لهم الشفاء على يديه ، وأهاليهم ، يصفون طبيبا إنسانا ، بيدين بارعتين ، وعقل موسوعي ، ومعرفة عميقة ، وخبرة عالية ، وابتسامة واثقة تبعث الطمأنينة في شغاف قلوب المرضى ، والسكينة إلى نفوسهم ، والإعجاب الكبير الى ذاكراتهم التي تحيط إسم الرجل بقدر ركين من التبجيل والإمتنان ..

في السياق الشخصي ، عرفت الدكتور الشيخ قبل أيام فقط ، فكانت هذه الصدفة القدرية ، مناسبة ستبقى عزيزة في ثنايا وجداني ، لطبيب إنسان ، وجراح حكيم ، وعالم جليل ، وشخصية قيادية من طراز نادر . وفي السياق الوطني ، يمثل البروفيسور الشيخ خالد بن علي آل خليفة ، أيقونة وطنية بحق ، وقاطرة إنجازات للمؤسسة التي يقودها بشغف ، إلى مراكز عالمية مرموقة .. وفي السياق الذي بدأنا به هذه المقالة ، حول ظاهرة إعلانات الشكر والثناء التي تعرفها مجتمعات بلاد الشام ومصر ، للأطباء المتميزين ؛ أستطيع أن أقول بكل ثقة ، أن هذه الظاهرة لو كانت موجودة هنا في البحرين والخليج العربي ، لكانت الوكالات الإعلانية حققت بفضل هذا الطبيب البارز أرباحا فائقة ، لكثرة الشاكرين لأياديه البيضاء وروحه العفية ..

" أصداء " علي عبدالله خليفة شاعرا وإنسانا ..!!



كان بابلو نيرودا ـ كشاعر عظيم ـ يتقن أكثر التقنيات الشعرية تطورا في أيامه، مضيفا إليها قدراته الإبداعية المدهشة، والتي كانت كفيلة بجعل كل قصيدة من قصائده مصدر إلهام لعدد لا حصر له من اللوحات الفنية ، ولذلك فقد كان شعره موضوعا لعدد من المعارض الفنية الخاصة التي أقامها رسامون عدة منهم بيكاسو. لكن سنوات عديدة قد مرت منذ أن سمعت أو قرأت عن شاعر ما، كنجم لمعرض فني خاص بقصائده. ويعود ذلك جزئيا إلى ندرة الرسامين الذين يحبون أن يعترفوا بشاعر، ما، كمصدر الهام. وأكثر من ذلك: ندرة الشعراء الذين يستحقون أن يخصص فنان تشكيلي كبير، معرضا كاملا من وحي قصائدهم. أما صديقنا : الشاعر البحريني المبدع علي عبدالله خليفة فقد حاز كلا الحسنيين : أن يكون شعره مصدر الهام لمعرض تشكيلي باهر واستثنائي ، وان يكون الفنان المستلهم لشعره أنثى فارهة الأنوثة ، وتشكيلية فارهة الإبداع ، ومثقفة تحمل شغفا خاصا بالكلمة إذ هي البدء ، والكلمة إذ هي الروح التي ينفثها علي عبدالله خليفة في زجاج شانتال لوجندر ، فيصير خلقا بهيا ..

ومع أنني ـ شخصياـ عدت من المعرض " أصداء"، ممتلئا شغفا ووجدا وإعجابا ودهشة، إلا أنني لن اكتب عن المعرض. فهذا مجال المتخصصين والنقاد. أما مجالي ، ففضاء من العوالم الإنسانية التي تملأها شخصية علي عبدالله خليفة ؛ مبدعا وشاعرا وأديبا وإعلاميا وباحثا .. وصديقا نبيلا..

فالمسافة من ديوانه الأول " أنين الصواري" إلى معرض " أصداء" مرورا بديوانه الثر " لا يتشابه الشجر " ، يملأها علي عبدالله خليفة بشاعريته المتدفقة وكلماته الرقراقة ومضامينه الحية وإيقاعاته المتجددة وتنويعاته الخلاقة التي يتلقى وحيها حسب اعترافه من ثلاثية : الحلم والبحر والمرأة ، ليضيء بها " ذاكرة الوطن " ويروي " عطش النخيل" ويهدهد " عصافير المسا " .. !

أما المسافة من المـجلـة الأدبـية " كتابات " التي أسسها علي عبدالله خليفة عام 1976، إلى المجلة التراثية المحكمة "الثقافة الشعبية" التي أسسها عام 2008 ، فهي بكل معنى الكلمة : مسافة إعجاز ؛ زرعها هذا الشاعر الذي تكتبه القصيدة قبل أن يكتبها ، والمبدع الفياض بالعطاء ، بحشد متدفق من نخيل الانجازات التي تراوحت بين تأسيس مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربية عام 1982، وصياغة وإعداد مشروع الإستراتيجية الوطنية للشباب بمملكة البحرين عام 2005 . وفيما بين هذه وتلك كان يؤسس مجلة " المأثورات الشعبية" بقطر ، ويشرف على إنشاء الأمانة العامة للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بمملكة البحرين ، ويصدر مجلة " البحرين الثقافية " ، ويتولى مهمة تأسيس إدارة البحوث الثقافية بالديوان الملكي بمملكة البحرين ، ويشارك في أعمال العديد من المنظمات العالمية المهتمة بالتراث والثقافة ، ويحيي الأمسيات الشعرية متنقلا بين المهرجانات والملتقيات العربية والعالمية ، منشدا رسالته الإنسانية ، ومجددا في لغة الشعر واقانيم الموروث الأدبي العربي والخليجي ، ومنقبا دارسا في تلاوين الفنون ومضامين النصوص ..

وتبقى المسافة التي هي طقس يومي في مسيرة علي عبدالله خليفة ؛ واعني : المسافة التي بين قلب كغيمة وقلب كصفحة كتاب مقدس ، وبين عقل كالفضاء وعقل كالبراح ، وهذه يؤثثها بحشد من السجايا النبيلة والرقة التي تفيض عن الاحتمال والوفاء الذي يستحضر الفروسية كعادة يومية والمحبة نشيدا دائما .. وبلغة مستلة من السحر، وابتسامة مستلة من النهر، وقلب رحب يتسع لأخطاء الآخرين قبل إحسانهم ولأوجاعهم قبل أفراحهم..

مع بابلو نيرودا ، بدأنا هذه المقالة عن الصديق الشاعر علي عبدالله خليفة ، ونختمها معه أيضا حين قال مرة مخاطبا ناظم حكمت: أشهد أنك بهذا قد أجبت عنا جميعاً. وأنا أقول نفس العبارة لعلي عبدالله خليفة .

الجمعة، 18 يوليو 2008

ابراهيم بن خليفة الدوسري .. مَن شابـَه وطنه فما ظلم !








لم اكتب من قبل عن ابراهيم خليفة الدوسري ، رجل المتابعة والبحث والمعلومات في ديوان سمو رئيس الوزراء ، ورجل التدريب وتنمية الموارد البشرية . ثمة تقصير في ذلك ، تجاه رجل بحريني يمتلك هوية عالمية . ولكن ما يجعل هذا التقصير حادا وقاسيا جدا ، انه ليس تقصيرا فرديا ، بل يشاركني فيه كل الكتاب والصحفيين البحرينيين . هل ترى مرجع ذلك لزهد الرجل بالاضاءات الاعلامية ؟ ربما .. ولكن ذلك يجب ان لا يكون عذرا للكتاب والاعلاميين ، وليس عذرا لي بالتأكيد ..

بالنسبة لابراهيم خليفة الدوسري ، ثمة على الاقل عشرة معان مرادفة لكلمة منصب . فهو : وكيل وزارة مساعد للمعلومات والمتابعة بديوان سمو رئيس مجلس الوزراء، وهو رئيس مجلس ادارة الاتحاد الدولى لمنظمات التدريب وتنمية الموارد البشرية ، وهو مستشار مجلس ادارة جمعية البحرين للتدريب وتنمية الموارد البشرية ، وهو الرئيس التنفيذي لدورات عديدة لجمعية البحرين للتدريب والتنمية ، وهو عضو لجنة جائزة الشيخة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة رئيسة المجلس الأعلى للمرأة لتمكين المرأة ، وهو عضو مجلس المناقصات ، وفي أغسطس 2007 تم انتخابه رجل العام للاتحاد الآسيوي لمنظمات التدريب وتنمية الموارد البشرية .. !!

السؤال الذي يخطر في البال الآن ، هو : كيف يتمكن رجل له كل هذه الارتباطات والمناصب ، من التنسيق فيما بينها ، ثم اداء واجباته الرئيسية والحساسة جدا ، كوكيل وزارة مساعد للمعلومات والمتابعة بديوان سمو رئيس مجلس الوزراء؟ الغريب ان الاجابة عن هذا السؤال ، تأتي من خارج البحرين ايضا . وهنا تصل دراما النكران الاعلامي بحق هذا الرجل قمة مشهدياتها . فترشيح الدوسري كشخصية العام في الاتحاد الآسيوي ، جاء من قبل مجموعة كبيرة من الشخصيات العالمية المهتمة بالتدريب وتنمية الموارد البشرية ، والتي لها حضورها العالمي في المحافل العالمية .. وفي شهادته المرموقة بحق الدوسري بعد انتخابه ، قال الأمين العام للاتحاد الآسيوي : " ان مجلس إدارة الاتحاد كان يرصد انجازات الدوسري ، ويتابع باعجاب اهتمامه بتطوير الاتحاد العالمي لمنظمات التدريب وتنمية الموارد البشرية ، حيث قام باتخاذ العديد من المبادرات في هذا الصدد ، منها : زيادة الموارد المالية للاتحاد العالمي ، وتنويع البرامج المساندة للدول الفقيرة ، وإعادة صياغة النظـام الأساسي للاتحاد الدولي ، وتغيير معايير المؤتمرات العالمية السنوية للاتحاد "..!!

وعند اختيار الدوسري كأول خليجي واول عربي يشغل رئاسة مجلس ادارة الاتحاد الدولي للتدريب وتنمية الموارد البشرية ، اصدر الاتحاد الدولي بياناً صحافياً مثـّل شهادة عالمية اخرى بحق هذا الرجل الذي تصلح فيه المقولة العربية السائرة عن مطرب الحي الذي لا يطرب ، ليس لشيء سوى ان ابناء الحي يفضلون ان يمنحوا ود آذانهم للغريب القادم من وراء البحار . قال الاتحاد : " ان فوز الدوسري بهذا المنصب وبالتزكية التامة ، يعتبر تأكيدا دوليا لما يتمتع به الدوسري من تاريخ علمي حافل بالانجــازات في مجالات التدريب والتنميـة البشـريــة ، ولـمـا قـام بـه مــن مساهمات فعالة في مشاريع وبرامج الاتحاد الدولي ، واستحــداث العديد من البرامج وتطويرها في الدول الاعضاء " .. !!

يتميز ابراهيم الدوسري بالاغراق الشديد في العمل ، ولعل قربه من مجال سمو رئيس الوزراء ، وحده ، يكفي ان يكون منشغلا لاربع وعشرين ساعة ؛ وان يكون حاضر الذاكرة على الدوام ، وصاحب بديهة اسرع من الضوء ، ومزودا دائما بالمعلومة التي يريدها سمو رئيس الوزراء في اية ساعة من النهار او الليل . انها حامل مفاتيح حقيبة المعلومات اللازمة لرجل الدولة الفذ ، وعميد النهضة الكبير . مع ذلك يجد ابراهيم الدوسري من الوقت والعزيمة ما يؤهله لكي يكون مختارا عالميا فيما يتعلق بطول واستمرارية فترة العطاء التطوعي ، وحجم هذا العطاء ، ونوعيته المرموقة ، وان تستقطب مبادراته ومساهماته في المنظمات والمحافل الدولية المعنية بتنمية الموارد البشرية ، اعجاب وامتنان هذه المنظمات والمحافل ، واعترافها ، بان هذا التكنوقراطي البحريني " ساهم بشكل مباشر وجوهري ، في تحسين وتنمية الموارد البشرية على مستوى العالم ".

يستحق ابراهيم الدوسري ، تقديرا يتجاوز الكتابة عنه . وهو وان كان زاهدا في الاعلام واضاءاته ، الا انه يمثل في الحقيقة قيمة بحرينية عالية . وفي الجزء البحريني من عالم التدريب وتنمية الموارد البشرية ، يعتبر الدوسري الأب الروحي لجمعية البحرين للتدريب وتنمية الموارد البشرية ، فهو المساهم الرئيس في اعلان ولادتها ، وهو الذي كمن دوره المصدري وراء انطلاقتها وتعزيز دورها العام ومشاركاتها النوعية في هذا المجال الذي يعتبر الآن مؤشرا عالميا .. ومن كوالالمبور الى جاكارتا ، ومن المنامة الى روما ، ومن الرياض الى سان فرانسيسكو .. يذهب ابراهيم الدوسري بعيدا ، للتبشير بالتجربة البحرينية في التنمية البشرية . هذه التجربة التي حظيت بسجل دولي استحق الكثير من الشهادات والتقارير العالمية .. ونكران ذوي القربى .. وهنا نتحدث عن البحرين ، لا عن الدوسري . ولكنها نفس المشهدية .. بالنسبة للدولة .. وبالنسبة للرجل .. ومن شابه وطنه فما ظلم .

الخميس، 17 يوليو 2008

خالد كانو .. نبيلا.. وركيزة أساسية في مجتمع الاقتصاد الخليجي



عندما يتحدث صديقنا الدكتور عبد الرحمن بوعلي عن خالد كانو ، يشير إليه غالبا بأنه : نبيل وأبو نبيل .. والعبارة على الرغم مما فيها من المداعبة الإخوانية ، إلا أنها تحمل دلالة عن السجية الأكثر بروزا بين مصفوفة السجايا الرفيعة التي يتمتع بها الوجيه خالد كانو الذي اختارته مجلة التايمز اللندنية ضمن قائمة الـ 25 شخصية المؤثرة في مستقبل منطقة الخليج . وقبل أيام كنت في جلسة ضمت إضافة إلى الدكتور عبد الرحمن بوعلي كلا من السفير كريم الشكر وعبد الجليل الأنصاري ، وكان خالد كانو ، موضوعا رئيسا من موضوعات أحاديث الرجال الثلاثة ، الذين اجمعوا على حقيقة أنهم لو أرادوا انتقاء مفتاحا فطريا مصقولا بجهد ذاتي لشخصية خالد كانو ، لاختاروا النبل صفة جوهرية خالصة للرجل الذي بقدر ما تتعدد سجاياه فإنها تبدو وكأنما تتكامل وفق معادلة دقيقة جدا ، لا تنافر فيها ..

يتميز خالد كانو , بأنه شخصية ودودة , مفعم بالسمو والكرامة , ويبدو في سلام مع نفسه ومع الأشياء من حوله على الرغم مما يتيحه له منصبه في قمة إمبراطورية مالية ضخمة من قوة طاغية .. إنه احد أبرز أقطاب عالم المال والأعمال في المنطقة, ومع أنه غير مولع بالاضاءات الساطعة, إلا انه يعمل دائما على تخليق أجيال من الأعمال والمشاريع الكثيرة السطوع في سماء المال والاقتصاد والفكر والإبداع والاجتماع والإعلام والسياحة وتأسيس الكيانات الاقتصادية والاجتماعية الجديدة. ويمكن القول بجدارة أن إحساس الرجل بما يراه واجبا ومسئولية اجتماعية, كان صادقا دائما ونابعا من القلب ومفعما بالإرادة والعمل الجاد.. وثمة أكثر من دليل على ذلك، برزت إبان قيادته لسفينة غرفة التجارة والصناعة البحرينية منذ العام 2001، ومن خلال تأسيسه لبنك الإجارة، وغيره من سلسلة الأعمال والكيانات الاقتصادية الموجهة أولا لخدمة المجتمع، والتي كان آخرها الجمعية البحرينية للشركات العائلية. وهي الجمعية التي تمثل نتاجا عمليا صافيا للأفكار التي طالما عبر عنها خالد كانو بخصوص تعزيز الشركات العائلية واستشراف مستقبلها ودورها على خارطة الاقتصاد الإقليمي والعالمي ، إزاء ما تفرضه العولمة من تحديات مالية وإدارية وتسويقية وقانونية على الاقتصادات الخليجية التي يتكون 95 % منها تقريبا من شركات عائلية .

في هذا المساق ، تبدو أفكار خالد كانو شأنها شأن أفكاره الاستشرافية في مختلف المجالات التي يتصدى لها الرجل بشخصيته القيادية الراعية ، فهو يعد بالتحول إلى جمعية خليجية تعني بشؤون وأوضاع الشركات العائلية على مستوى المنطقة . وهو يقول إن الشركات العائلية تشكل الركيزة الأساسية في اقتصادات المنطقة، ما يجعل تأسيس إطار خليجي يجمع المعنيين في هذه الشركات أمرا حتميا إذا ما أردنا لهذه الشركات البقاء والنمو والازدهار في مواجهة التحديات العولمية القادمة ..

معروف عن خالد كانو انه قليل الكلام, ومتحفظ, ولكنه شديد الاعتزاز بثقافته وطاقاته الفكرية والانجازية العالية. أما الذين اقتربوا منه, وهو يشارك في قيادة واحدة من اكبر الإمبراطوريات المالية في المنطقة, أو يقود سفينة أسرة التجارة البحرينية ، فيصفون شخصا ديناميكيا إلى الحد المثير للدهشة؛ وإداريا لامعا, وطموحا جدا ولكن نزيه إلى حد اقتران صفة النزاهة الفطرية عنده بالنبل المصقول بعناية وتوق شديدين.

وكما كان "ويسلر" هو أول من نظر إلى وجود "دائرة ثقافية" تقوم عليها حضارة المجتمع , فان خالد كانو, ربما يكون من ابرز رجال الأعمال العرب الذين أرسوا "دائرة ثقافية اجتماعية" تقوم عليها سياسته وانجازاته الاقتصادية . فخريج إدارة الأعمال , وبطل الكريكيت وكرة القدم وسباقات الماراثون الذي يصفه بعض مجايليه في صيدا ونوتنغهام والولايات المتحدة, بأنه كان شغوفا بالبحث , وتشكيل ثقافة مرموقة رفيعة , استطاع أن يكوّن نموذجه الخاص لمفهوم رجل الأعمال الموسوعي ، ورجل المال الشديد العناية بتوثيق التاريخ والمحافظة على الموروث الأصيل. ولعله منطلقا من هذه السجية انهمك لفترة طويلة في إصدار كتابين من أهم الكتب التي تؤرخ لمجتمع الاقتصاد البحريني ، واحد عن بيت كانو ، والثاني عن بيت التجار البحرينيين.. غير أن نموذج خالد كانو بين رجال الأعمال والإداريين الكبار, لم يتأسس في الواقع على هذه الخاصية فحسب. فثمة إجماع بين مختلف النخب البحرينية والخليجية , على أن ملكات الرجل كقائد اجتماعي , وصاحب مسئولية وطنية تواقة دائما لاجتراح المزيد في خدمة وطنه وبلده ومجتمعه ، تبرز على نحو رفيع , في تصديه الطموح للمهمات الجديدة . أما المهمة القادمة للرجل فهي جمع الشركات العائلية الخليجية في بوتقة تعاونية كبرى تقبس ارثها من وحدة المنطقة جغرافيا وتاريخيا واشتراكها في تحديات واحدة ومستقبل واحد .. وَوَصْفَتُه للنجاح بسيطة للغاية، ولكنها من السهل الممتنع:" 95 بالمائة من التعب والجهد و5 بالمائة من الحظ ".. أما ما نتمناه للرجل في طموحه فمائة بالمئة من الحظ .. والتوفيق..

الثلاثاء، 15 يوليو 2008

السلام عليك أيها المليك


السلام عليك أيها الملك..
السلام عليك.. وعلى يوم جلوسكم البهي، إذ يسافر في وجدان شعبك الوفي، وشما أصيلا، لا ينمحي، وفي تاريخ أمتك، نقشا من بهاء، وفي قصائد الشعراء بحر أمجاد، لم تتطاول إليه بحور الشعر من قبل..

السلام عليك.. أيها الملك المطوق بالجلال والرفعة والعطاء، وعلى شعبك الذي هو في قلبك مآل للوعد، وأنت في قلوبه مصدر للأمل.. فليس مثلك من ارتاد الإصلاح، وأحيا التاريخ، وكرس الحقوق، وليس مثلك من نهض بأعباء القيادة مطلقا في سماء البحرين ضوءها الأول ، وإصلاحها الأعظم ، وميثاقها الأنصع ، وليس مثلك من وقف حياته كلها في خدمة أمته، فأنعش في الذات الوطنية أنبل قيمها ، واصدق انتماءاتها ، وأكرم عطاءاتها .

والسلام عليك ، وأنت تسجل في صفحات الملوك ما يطوق ضلوع الأمة بوشاح المجد ، وسماءها بمطر المكارم ، وينثر في أرضها بذور العطاء ، فتهمي على أرواحها بالسكينة ، وعلى حاضرها بالانجاز ، وعلى مستقبلها بالوعد الأجلى من الحق ..

هو ذا عيد جلوسك ؛ يأتي من جديد : تزفه المكرمات التي ما تفتأ تنبثق من بين يديك مطرا يهمي على أرواح شعبك ، وتحفّه الأمنيات التي ما أن تدخل إلى مشارف مقامكم حتى تتحول إلى حقائق ساطعة ، وانجازات رائعة . وهو ذا عيد البحرين بك ، يعود مفعما بالآمال الكبرى التي تزرعها وعودك ؛ من أول الكبرياء في المحرق إلى آخر الفروسية في الرفاع ، ومن أول الفتح في المنامة ، إلى آخر الحماس في سترة ، ومن شموخ القصيدة في المحافظة الجنوبية ، إلى صلوات المساجد والمآتم في المحافظة الشمالية ، ومن بخور تراب الرفاع ، إلى أشواق عين عذاري ..

وهو ذا العيد السابع لانبثاق عرشك السامي في قلوب شعبك ، وثمة شيب غافل السنوات وغزا مفرقيك ، فزادك شبابا واكتسى وقارا من وقارك وجلالا من جلالك ، وثمة قلب في قلبك إتسع حتى صار بحجم وطن كامل..

السلام عليك أيها الملك ؛ يا قامة أعلى من الكتابة ، ويا غيثا أكرم من المطر ، ويا صدر الوطن الممتد من حدود النخيل إلى حدود الغيم والسحاب ..

يا صاحب الجلالة ، يا نسغ الكرامة الممتد من رسالة المنذر بن ساوى التميمي ، إلى راية احمد الفاتح ، ومن قصائد ابن هذال (1) ، إلى دستور عيسى بن سلمان ، ومن " افلاج ليلى " (2) إلى بيت الجسرة ..

يا نسل الكرام الذين قال شاعرهم:
لمن المضارب في ظلال الوادي رَيّا الرحاب تغص بالوُرّاد
الله اكــبر تلك امة يعــــــــــــرب نَفَرت من الافلاج والانجاد (3)
طوت المراحـلَ والأسنة ُشــُرّع ٌ والبيضُ متلعة ٌمن الأغماد
ومشـــت تدك البغي مشية واثق بالله ، والتاريخ ، والأمجاد

هو ذا أنت يا سيدي : المليك الذي في ضمير شعبه روح وهاجة، وعقيدة راسخة، ووطن معنوي، وجوهر ولاء أصيل، وقوة وجدانية هائلة، ومشعل وطني يهدي إلى سواء السبيل ؛ تعبيرك نابع من ضميرك، وظاهرك منسجم مع جوهرك، وقلبك متصالح مع عقلك، وموقفك مبني على قناعتك، وفعلك محكوم بمصلحة وطنك، وقراراتك نابضة بشجاعة الاختيار ، وعظمة الاقتدار، ونقاء الموقف ، وسمو المفاهيم ، وشمولية الرؤية ..

وهو ذا شعبك يلتف حولك، فيطلع التاريخ، ويصحو الكبرياء، ويستيقظ الحلم، ويبتسم الزمان.. وهو ذا شعبك يقف إلى ظل رايتك، قامته هامة نخيل، وصوته نداء مؤذن، وهتافه تكبيرة صلاة، ومبايعته تعويذة دم، وعروة وحدته ميثاقه الخالد، فلا إقليمية ولا طائفية ولا فئوية ولا مذهبية تتقدم على التزامه الوطني.

كان الشعب يتشوقك لتقيم ميزانه، فبايعتك القلوب والضمائر لتباشر قيادة هذا البلد إلى فضاءات الديمقراطية والحرية والأيام الأجمل . وحين بزغ فجرك، وطلع نجمك، فجّرت فيهم ثقافة المصالحة، وأدبيات الديمقراطية، وأبجديات الحرية، ومفاهيم الحقوق، وشموخ المسئولية، وروح التحدي، وإرادة الاقتدار..

فاستقبلتك المعاني الجميلة، وسارت بذكرك الركبان، وزهت باسمك الحروف، وحَنّت إليك القوافي، وحَجّت إليك البلاغة ، وتغنت بانجازاتك الأقلام الطاهرة، والقرائح النقية ، وشمخت بك الكتابة ، ووقف المجد في حضرتك خاشعا ومبايعا لك قائدا يدق أبواب المستقبل، وزعيما ينعقد له الأمل ويعلو به الرجاء .. فللقيادة أسرارها التي لا تودعها إلا للمختارين، وأشواقها التي لا تمنحها إلا للملهمين، ومسؤولياتها التي لا تعهد بها إلا للفرسان، ورسالتها التي لا تكشف عنها إلا لأولي العزم الذي يطاول السماء ، والمسكونين بتراث المؤسسين العظام ، والقابضين على جمر العزة والكرامة . فكنت أنت القائد والرائد والإنسان.. لا يمتطي خيلك المشككون ، ولا يهزج برايتك الأدعياء ، ولا يحدو بركابك إلا الانقياء ..

وكنت الذي علمنا ـ شعبك والمقيمين في ظل رايتك ـ كيف الموقف يأخذ شكل السيف، ودفقة القلم، ورسوخ الحق، وبهجة الانتصار. وكنت الذي علمنا كيف يكون الصبر مهيبا مثل الصلاة، وكيف يكون العفو ساطعا كالفجر والليالي العشر..

فسلام عليك: صدرك من نقاء سماء البحرين، وقامتك من نخيلها، وعيناك عاصمتا فروسية وانتصار، وعهدك ينهض الروح من سكونها، والانتظار من غفوته، والوعد من غمده، والعهد من نبوءته.. وأنت الشجاعة في زمن الخوف ، والتواضع في زمن الصلف ، والعطاء في زمن الرمادة ، والصوت الأجلى في زمن السكوت ، والإقدام في زمن التخاذل ..

وسلام عليك وأنت تؤذن بزمان بحريني جديد لا مكان فيه للأحلام المريضة ، ولا موقع فيه للصغار والمتخاذلين . انه زمنك ـ سيدي ـ؛ زمن الحق والعطاء والرسالة، زمن فجر البحرين وضحاها، وزمن الصعود إلى الذرى وما تلاها..

وسلام عليك : خشوعا في صلاة الشيوخ ، وبهجة في عيون الأطفال ، وشموخا في عنفوان الشباب ، وأغنية على ظفائر النساء .. وسلام على البحرين إذ تصعد بك ومعك إلى ذرى المعرفة والقدرة والكبرياء..

وسلام على لونك الذي من صفاء عيسى بن سلمان ، ووقفتك التي من شموخ سلمان بن حمد ، وريادتك التي من حكمة عيسى بن علي ، ورايتك البقية العتيدة من بيارق احمد الفاتح .. سلام عليهم في الخالدين الأبرار، وسلام عليك في الملوك الأخيار.. وكل عام وأنت بخير ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1 ) ابن هذال : شيخ مشايخ عنزة ، التي منها العتوب . وتعتبر قصائد ابن هذال ملاحم تاريخية روت مسيرة تحالف العتوب وهجرتهم . ( 2 ) ، ( 3 ) أفلاج ليلى : الافلاج جمع فلج ، وهو النهر الصغير الجاري . وكانت افلاج ليلى من مناطق إقامة العتوب .

حكمة القائد التاريخي .. ورسائل رجل الدولة المسئول




ثمة لكل حديث صحفي لصاحب السمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء ، رسائله وأهدافه وكلماته الخالدة وسطوره الواضحة وما بين سطوره .. وثمة لكل حديث لسموه دلالاته المرحلية واستشرافاته المستقبلية .. غير أن أحاديث سموه مع الصحفي والكاتب الكويتي احمد الجارالله ، دائما ما تحمل أكثر من رؤى الحاضر واستشرافات المستقبل ، فهي تحتفظ غالبا بنكهة التاريخ ، وتحرص على الغوص إلى بعض الملامح الشخصية ، وتبدو أقل رسمية ، وأكثر حميمية ..

وفي الحديث الصحفي الشامل والهام، الذي نشرته صحيفة "السياسة" الكويتية بالتزامن مع الصحف البحرينية، ذهبت رسائل سمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة ، إلى مقاصد عدة ، وتحركت إلى أعماق المتن السياسي العام محليا وإقليميا ، وقاربت تاريخا مجيدا ومضيئا لمدارج النهضة البحرينية التي كرست من سموه عميدا لها ، وكرس منها سموه ذخرا متناميا ومكتسبا بحرينيا خالدا..

فمن النتائج الخالدة لهذه النهضة ، أن البحرينيين اليوم لم يعودوا يريدون لبلدهم أن يكون نظيراً لأي بلد عربي آخر ، بل لعل العكس هـو الصحيح ، فالبحرين أصبحت القـدوة التي يتطلع إليها الأشقاء الآخرون ، فيستلهمون مشاريعها وبرامجها ، ويمتثلون لرؤاها ، ويعقدون فيها مؤتمراتهم ، ويمارسون فيها حرياتهم ، ويتحركون فيها بأمان.

وليس من قبيل الصدفـة أن تصبح البحرين اليوم موئلا لكثير من مؤتمرات الشراكة الإقليمية والعالمية ، وليس من قبيل الصدفة أن تحظى بكل هذه التقديرات العالمية في رشد الحكم ومتانة الاقتصاد وتنوعه وآفاقه ، وليس من قبيل القدر أن يكون لهذه المملكة الصغيرة المساحة والكبيرة الوزن ، هذا الدور الطلائعي في المستويين العربي والإقليمي .. فالمقارنة اليوم تعمل لصالح البحرين، فهي الدولة الأكثر حريـة وليبراليـة في المنطقة، والأكثر انفتاحا وتطـوراً اقتصادياً واجتماعياً، والأكثر أمناً واسـتقراراً، والأكثر ديناميكية وحركة وفعالية.

والبحرينيون اليوم ، فخورون بهذه المكانة وهذا الدور وهذه المكتسبات ، فخرهم بقيادتهم التاريخية منذ عهود الآباء المؤسسين ، إلى عهد عيسى بن سلمان أبي الدستور، إلى عهد حمد بن عيسى صانع البحرين الحديثة والعصرية ، إلى دور وانجازات خليفة بن سلمان رجل الدولة وعمود البيت .. الذي يختزل كل مسيرة الوفاء المتبادل بين القيادة والشعب حين يقول في حديثه الأخير: " لا يشغلنا اليوم، إلا أن نرد الفضل لهذا الشعب الذي صبر معنا، وكان مواكبا لمتطلبات قيادته.. وأمامنا الكثير من مشاريع التنمية التي نريد لجيلنا الحالي الذي صبر معنا أيام الحاجة أن يتمتع بها.. ونحن نعمل جاهدين للإسراع فيما يمكن أن يختصر زمن النمو وإسعاد الناس "

وحتى لا يكون العشب أكثر من الزرع والشوك أكثر من الثمر وحتى تبقى حقول النهضة خضراء مثمرة ومورقة وارفة الظل فان سموه يشدد على ضرورة التغيير والتطوير، وعدم الركون إلى السياسات الثابتة والجامدة، من اجل مواكبة التسارع العالمي والمنافسة الإقليمية.. فيقول سموه: " نحن ندرك أن الانفتاح واقتناص الفرص يحتاج إلى مرونة أكثر، واعتقد أننا أدركنا هذا، ولذا فإننا الآن ننحو منحا أكثر مرونة، وأكثر رغبة في إقرار ما تتطلبه مرحلة الانفتاح الاقتصادي، وما يستوجبه مسار اقتناص الفرص.. والحكومة اليوم أكثر مرونة، وهي توازن بين الانفتاح وبين حقيقة أن الفرص لا تنتظر قناصها.. وتوجيهاتنا للأجهزة الحكومية أن تحافظ دائما على الانسجام التام بينها وبين مؤسسات الدولة ، وان يكون أداؤها متسارعا وفق طموحات القيادة " ..

وفي التفاتة تقديرية عميقة إلى دور المشروع الإصلاحي لجلالة الملك في استدامة النهضة وتسريع مسارها من خلال المناخات التي أفضى إليها هذا المشروع الوطني الكبير ، يجدد سموه القول بالركون إلى الخيار الديمقراطي ، وان لا تراجع عنه . مؤكدا سموه التفاف الشعب حول القيادة الحكيمة لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ، وواقع الشراكة الوطنية المستدامة ، في ظل مبادئ الفصل بين السلطات ، وسيادة سلطة الشعب . فيقول سموه : " نحن نؤمن بأن الشعب هو مصدر السلطة، ونمضي به ومعه دائماً نحو الأفضل لبلدنا، وحتى الآن لا نرى أن الديمقراطية معيقة لخططنا التنموية، وأعتقد انه في أجواء الحراك السياسي الشفاف سنوجد وعياً يقودنا دائماً إلى الأفضل، وهذه هي مرئيات صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة الذي هندس هذا النظام، والذي هو مصدر فخر واعتزاز لنا جميعاً.. بالحراك السياسي الشفاف والنقي وطنياً سنجد أنفسنا مستقبلا قد أضفنا خصوصياتنا وموروثاتنا إلى هذا النظام، وهو أمر سيقتنع به المواطن بنفس درجة قناعة الحاكم"..

وكعادة خليفة بن سلمان ؛رجل الدولة الوفي ، والزعيم الذي تسير الحكمة في ركابه ، يأبى سموه في هذا الحديث مع صحيفة "السياسة" الكويتية ، إلا أن يعطي لأصحاب الفضل فضلهم ، ولأصحاب المكرمات كرامتهم ، سواء كان هؤلاء داخل حدود المملكة أو خارجها ، وسواء كان ذلك في الإطار السياسي العام أو الإطار الشخصي ، أو ضمن مساحة العمل الوطني البحريني .. فيؤكد سموه تثمينه وتقديره للأشقاء الخليجيين دعمهم الموصول للبحرين : " نحن مازلنا شاكرين وندين بالفضل لإخواننا في السعودية والكويت ودول مجلس التعاون التي وقفت معنا، وهو أمر لا نفتأ نكرره ويكرره معنا شعب البحرين الوفي" .. وفي الأبعاد الأكثر حميمية .. أبعاد الالتزامات الذاتية لرجل الدولة الذي وصفه الكاتب احمد الجارالله بأنه " عاش مع مشكلات بلده.. أفراحه وأتراحه.. واجتاز بنفاذ بصيرته مع أشقائه في بيت الحكم البحريني سنوات كثيرة من المد والجزر في منطقة كانت عرضة لرياح أزمات عاتية ".. ومن جوهرية وحقيقة هذه العمادة التاريخية لسموه ، يوجه خليفة بن سلمان رسالته الأكثر وجدانية وشفافية إلى أبناء شعبه الوفي : " إنني أرد جميل الناس الذين طوقوني بمحبتهم، ولذا تجدني أتحرك ميدانياً بكثرة، وأجوب المجالس الشعبية المفتوحة وأعيش مع الشعب أفراحه وأتراحه.. فنحن نريد للناس أن يتمتعوا بخيرات بلدهم مثلما متعونا بصبرهم وحبهم.. "

يوم عمل ميداني لسمو رئيس الوزراء









أمس، السبت، كان جميع الوزراء وكبار المسئولين وصغارهم يمارسون الكسل والاسترخاء في بيوتهم أو شاليهاتهم ويستمتعون بالراحة في يوم عطلة باهت جدا. أما صاحب السمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء ، فقد كان على رأس عمله يسابق طلوع الشمس للالتقاء بأبناء شعبه الوفي في المحرق ، ويسابق الزمن متفقدا المشروعات الحيوية التي كان سموه أمر بإنشائها ..

كان سموه يمارس الدور الذي لم يتوقف أبدا عن القيام به منذ نحو نصف قرن من الزمان : قيادة كتائب الانجازات ، وتسيير قاطرات النهضة ، وفتح آفاق التفاؤل أمام الناس ، وبناء صروح التنمية .. وكان سموه ينشر الرسالة التي لم يتوقف عن التبشير بها منذ أن تلقاها من والده سمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة : عفية ، أصيلة ، وشديدة البلاغة ؛ إنها رسالة الواجب المقدس ، نحو أبناء الشعب البحريني ، ورسالة الحقوق التي لا يدرك روحانياتها إلا أصحاب الحقوق .. ولا يؤديها كاملة غير منقوصة إلى أصحابها إلا القادة الذين تطاول قاماتهم جبهة التاريخ ، والفرسان الذين نسمع على أطراف عباءاتهم صهيل الشهامة وصليل العزة وصلوات الوفاء ..

لذلك كان خليفة بن سلمان يوم أمس ، يكرر مفردتي " الحق " و" الحقوق " ، وهو يتحدث عن مصفوفة المشروعات والانجازات التنموية والخدمية التي أمر سموه بإنشائها وإهدائها إلى أبناء الشعب الوفي في المحرق . فكان مما قاله سموه: " إن من حق الإنسان البحريني علينا أن يتمتع بأفضل الخدمات وأرقاها باعتباره محرك التنمية الذي نعتمد عليه " .. وكان مما قاله : " إن من حق المناطق والمحافظات وبخاصة تلك التي انتظرت دورها على سلم أولويات المشروعات الحكومية التنموية أن تنعم الآن بفرصتها وان الوقت قد حان ليتم التركيز عليها كي تحصل على حظها من التنمية " .

إنها نظرية القائد الذي لا يرى العالم إلا من خلال شعبه ، ولا يرى الانجاز إلا من خلال حياة مواطنيه ، ولا يرى الفرح إلا إذا كان مرتسما على ملامح وجه بحريني أصيل . وإنها نظرية العميد، الذي يقول: " إن أهمية المواطن لدينا تجعلنا لا نكتفي بالتقارير المرفوعة ألينا بشان المشروعات، بل تقودنا نحو الزيارات الميدانية واللقاءات المباشرة" ..


لذلك ، فخليفة بن سلمان يوم أمس في المحرق ، لم يكن رجل دولة فقط ، ولا رئيس وزراء وعميدا تاريخيا فقط. فالنظام السياسي في البحرين كان منذ البداية التي أرسى قواعدها الأجداد والآباء من الحكام الخليفيين ، قام على الأبوة البارّة، والأبناء المخلصين الطيبين، والعروة الوثقى الممتدة من وريد القيادة إلى شريان الشعب ، ومن ضمير المواطنين إلى وجدان القيادة ..

خلال الجولة الميدانية التي قام بها سمو رئيس الوزراء يوم أمس في المحرق ، عرج على المشروعات الحيوية والخدمية التي كان سموه أمر بتنفيذها ، مشددا على وجوب سرعة الانجاز ، وموجها بتعزيز هذه المشروعات بإضافات حيوية أخرى . كما وجه سموه بتنفيذ مشروع المركز الصحي الجديد بالمحرق بأسرع وقت ممكن وتعزيزه بالمرافق والخدمات التي تجعل منه مركزا صحيا متكاملا في خدماته الصحية والعلاجية.

كذلك فقد وجه سمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة إلى إعادة تأهيل المشاريع الإسكانية القديمة وتحديثها . كما اطلع على سير العمل في عدد من المشروعات، وتفقد بعض الأحياء القديمة وجال في شوارعها، والتقى بالمواطنين فيها واستمع سموه إلى ملاحظاتهم وآرائهم واحتياجاتهم. موجها إلى إعادة تأهيل عدد من هذه الأحياء وتطوير الخدمات فيها وتعزيزها بالمرافق اللازمة..

والحال ، أن زيارة سموه للمحرق يوم أمس ، كانت زيارة أداء حقوق ، وجولة بث تفاؤل ، ورحلة عمل وانجاز ، ولقاء وجدان بوجدان ..

شـــكرا خليفة




عندما تتكلم الشوارع والطرقات، فإن للمحرق أسلوبها الخاص، ونكهتها الفريدة، في التعبير عما تكنه شغاف قلبها وقلوب ساكنيها .. لذلك كتبت على شغاف شوارعها وطرقاتها: شكرا خليفة !

وعندما تتزين الشوارع والطرقات ، وتعلن بهجتها وأفراحها ، فإن للقضيبية والحورة وأم الحصم زينتها الأكثر بهاء وفرحها الأكثر دلالة وبهجة. لذلك زينت شوارعها بعبارة: شكرا خليفة !

وعندما يكون عليك أن تدلي بشهادتك عن قائد يسندك ضعيفاً ويرعاك مريضاً ويحضنك طفلاً ويؤازرك محتاجا ويواسيك مهموما، فان الكلمات في العادة تتراجع أمام من لا يستطيع أن يسمو إلى نبله إلا الصمت. لذلك جاء تعبير المحرق عن محبتها لسمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة مختزلا بكلمتين : شكرا خليفة !

وحين يلهج لسانك بمقولة عن قائد تقرأ في ملامحه خصوبة الأرض في موسم الشتاء، ولون النهار في موسم الربيع، فان للكلمات وجهتها التي لا تحيد عنها. لذلك حشدت الحورة والقضيبية كل محبتها وامتنانها لصاحب السمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة في كلمتين : شكرا خليفة !

شكرا خليفة.. هي العبارة الأكثر حضورا اليوم في الفضاء وعلى الأرض البحرينية..

فمن تخوم المحرق إلى أطراف الحورة والقضيبية إلى فضاءات أم الحصم ، نطالعها ماثلة على الطرقات وفي الميادين العامة : شكرا خليفة !

ومن قلب طفل في قلالي إلى جبهة كهل من رجالات السماهيج إلى ضفيرة طالبة مدرسة في أم الحصم ثمة عروة من الشكر والعرفان تجتمع إليها كل القلوب والجباه والضفائر : شكرا خليفة!

فلرجل الدولة الذي عمل سنوات عمره من اجل البحرين، ثمة يد بيضاء في كل بيت من بيوتها. وللعميد الذي منبع سعادته في وجوده بين أبناء شعبه، ثمة مكرمات تملأ تاريخ البلاد ووجدانات المواطنين ومتون المواريث الاجتماعية الواصلة بين الأجيال..

والأسبوع الماضي لم يكن استثنائيا في سجل تاريخ العطاء المكرس لسمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة ، ولكنه كان استثنائيا بالنسبة لكل عريس وعروس في القضيبية والحورة وأم الحصم ، وهم يفضون إلى مرحلة جديدة من حياتهم تحفهم مباركة خليفة بن سلمان وتشملهم مكرماته وتحيط بهم رعايته .. ولسان حالهم يقول: شكرا خليفة..

والأسبوع الماضي كان استثنائيا بالنسبة لكل مواطن في قلالي والسماهيج والدير، وهم يتلقون مصفوفة التوجيهات التي أصدرها سمو الشيخ خليفة بسلسلة متكاملة من مشاريع البنى التحتية والمرافق والخدمات والإسكان والصحة والتعليم .. لذلك كان العنوان الشعبي المواكب لكل هذه المبادرات: شكرا خليفة..

فخرية القيادة والانجازات الإنسانية لسمو الشيخ خليفة بن سلمان



تعتبر جامعة لورنس التقنية ، التي منحت صاحب السمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة شهادة الدكتوراه الفخرية في القيادة والانجازات الإنسانية ، واحدة من أعظم الجامعات الأمريكية المتخصصة في مجال القيادة . وهي من أولى الجامعات في العالم التي ابتكرت وكرست منهاجا علميا جديدا وأصيلا لتدريس علوم وفلسفات ومهارات القيادة. وهي أول جامعة في الولايات المتحدة والعالم تؤسس كلية ومركزا متخصصا للأبحاث المتعلقة بمجلس الشيوخ .. وينظر إلى الجامعة باعتبارها مركز تغذية فكري وبحثي لتعزيز القدرات والمؤهلات التشريعية والقيادية لأعضاء الكونغرس الأمريكي والعاملين معهم ..

من هنا ، يمكن فهم وإدراك القيمة المعنوية والعالمية المرموقة لشهادة الدكتوراه الفخرية في القيادة التي منحتها الجامعة لصاحب السمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس وزراء البحرين . فالشهادة بحد ذاتها تشكل تقديرا علميا موقرا من جامعة عظيمة لرجل دولة عظيم. والشهادة تمثل اعترافا أكاديميا مرموقا من مركز طلائعي في علوم القيادة ، لقائد جسد بانجازاته أنموذجا باهرا في القيادة الحصيفة ، ومثالا فريدا في تاريخية الريادة ، ولرجل دولة يحظى سجله التاريخي بانجازات قدمت الكثير للإنسانية جمعاء ، بموازاة ما قدمه سموه لشعبه في البحرين وأمته العربية .

لقد انطلقت الجامعة في العام 1932 على يد الأخوين لورنس لتكون مركزا وبؤرة وطنية مكرسة لإعداد للقيادات في عصر التقنيات المستقبلية . وكان إيمان الجامعة الراسخ بالمستقبل عاملا أساسيا في ازدهارها وتسريع نموها ، رغم أنها انطلقت في خضم الفوضى الاقتصادية إبان فترة الكساد العظيم . وهنا نقف على حالة من التشابه والتماثل القريبة جدا بين حلم الجامعة وأهدافها، من جهة، وحلم صاحب السمو الشيخ خليفة وأهدافه كمؤسس للنهضة البحرينية وصاحب دفة قيادتها، من جهة أخرى. المثال الآخر الذي يمكن مقاربته للوصول إلى حيثية مماثلة بين مسيرة رجل الدولة والجامعة ، أن أحلام سمو الشيخ وأحلام الأخوين لورنس مؤسسي الجامعة ، في صناعة المستقبل ، واجهت في بداياتها عاصفة من احتجاجات قصيري النظر وتهويماتهم المحبطة . غير أن سجية " إرادة التحدي " عند سمو الشيخ خليفة، كانت عاملا حاسما في دحض الأوهام والتخوفات القصيرة النظر، التي عجزت آنذاك عن رؤية ما تراه بصيرة سمو الشيخ من معالم المستقبل الزاهر للبحرين . وهذا تماما ما تسلح به الأخوان لورنس عندما أعلنا فكرتهما بتأسيس الجامعة في خضم فترة الكساد العظيم .. ! إنها محايثة أولية بسيطة ، ولكن معبرة ، للمقاربة بين شخصية رجل الدولة خليفة بن سلمان آل خليفة كقيادي بارع ومرموق وصاحب بصيرة استشرافية بانورامية وعميقة ، وشخصية الجامعة العريقة كمركز لتخريج القادة ، وموئل جامعي موقر أمريكيا وعالميا لأول تكريس علمي عال لمناهج القيادة الإدارية ..

وحين يتحدث" Russell E. Lawrence" مؤسس الجامعة ، عن "كآبة التكهنات السلبية والمحبطة" التي حاصره بها أصحاب الرؤية التشاؤمية والقصيري النظر ، عندما شرع في تأسيس الجامعة ، فإننا نشعر أن الرجل يتحدث عن مشاعر سمو الشيخ خليفة ، حين شرع سموه في تأسيس القاعدة الأولى للاقتصاد البحريني ، ولقيام الدولة.. كانت دائما تواجهه " كآبة التكهنات المحبطة " ولكنه كان دائما ابعد نظرا وأعمق بصيرة من التوقف عندها أو السماح لها بالتأثير على روحه المفعمة بالوطن الحلم والدولة المستهدفة ..

لكل ذلك ؛ ولمسوغات موضوعية وتاريخية عديدة ، اعتمدتها الجامعة لمنح سموه شهادة الدكتوراه الفخرية في القيادة ، يبدو اختيار جامعة لورنس التقنية تحديدا لسمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة ، كأول رجل دولة عربي يحظى بهذه الشهادة الموقرة ، منطقيا جدا ، ومتوافقا للغاية مع فلسفة الجامعة وفكرة تأسيسها وقصة نشوئها وانطلاقتها وازدهارها .. ويبدو أن الجامعة الأمريكية العريقة بحثت كثيرا في السير الذاتية لعديد من رجال الدول العالميين والعرب ؛ ويبدو أنها توقفت كثيرا عند مفاصل العظمة والقيادة الملهمة في مسيرة صاحب السمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة ؛ والجامعة موفقة في ذلك ، ولكن ما نتمناه دائما أن نتوقف نحن عند ما توقفت عنده هذه الجامعة الأمريكية ، وعند ما توقفت عنده الأمم المتحدة عندما منحت سموه جائزة الشرف للانجاز المتميز في مجال التنمية الحضرية ، وعند المحاور التي يتوقف عندها العالم وهو يتعامل بإجلال كبير مع رجل دولة كبير ، كتبت انجازاته العظيمة ، اسمه بحروف من ذهب على جبهة تاريخ رجال الدول والقادة العالميين ..

خليفة بن سلمان .. الرجل والرسالة والتاريخ


حضور صاحب السمو الشيخ خليفة في مسيرة التكوين البحريني الحديث, هو: قصة كفاح، وملحمة بطولة، وقصيدة عز، وأيقونة حب، وآية يقين، ودعاء قنوت،وصلاة إيمان..
ودور خليفة بن سلمان آل خليفة في قصة التكوين الوطني ، هو دور تأسيسي ، مركزي، لا يدانى، وحضور موضوعي يجري مع نسغ الحياة البحرينية المعاصرة ..

فقد منح سموه للدولة هويتها, وصلابتها التكوينية . ومن مدرسته تخرج أغلى وأبرز رجالاتها . ومن نتاج فكره صنعت البحرين فلسفتها ورسالتها، وصاغت خطابها الإنساني،ورسمت طريقها القويم،وانتخبت أهدافها الناجزة ..

وبرؤية سموه انتقت البحرين أعلى غصن في أعلى شجرة من أشجار الحضارة والانجاز ووشمت اسمها عليه :هدفا مستقبليا ،وغاية مرحلية ،وبعدا استراتيجيا ،ورسالة حضارية ..

ولصاحب السمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة وزن نوعي في ماضي المنطقة وحاضرها.. ومستقبلها، ودور سياسي واجتماعي في تاريخ المنطقة بأسرها , لا يقاس بالأرقام وعدد ونوعية الانجازات فقط .. بل بالقيمة والمعنى والحضور الوجداني .. إذ أن سموه استطاع دائما وفي كل المشاهد التاريخية المفصلية أن يفي أكثر فأكثر بالمهام التي يلقيها عليه التاريخ، وتستدعيها حاجة الأمة، وتتطلبها مسيرة النهضة البحرينية.

هذا ليس ما نعرفه نحن فقط ..
وهذا ليس ما نؤمن به وحدنا ..

بل هذا ما يعرفه العالم كله، وتؤمن به الدنيا كلها ، وخاصة مراكز صناعة القرار وصياغة السياسات، والمنظمات والهيئات العالمية والدولية التي ترصد انجازات الدول والأمم والرجال ..

إن مسيرة سمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة ، هي مسيرة انجازات كبرى محفوفة بمخاطر كبرى ومنعطفات حرجة اتصلت على نحو جوهري بالسجايا الرفيعة التي شكلت شخصية سموه ورسالته ، فكانت محصلة ذلك نموذجا مرموقا لرجل الدولة ذي القيادة التاريخية القادرة على تخليق الانجازات من رحم المخاطر والصعوبات ..

وان سجايا سموه ومبادراته، هي الأكثر قدرة على الاستجابة بأقصى درجة لحاجات ومتطلبات وأماني مجتمع يعيش في خضم مصالح دولية متفاوتة وقوى عالمية متناقضة، فمثلت بذلك نموذجا باهرا للقيادة التي تتمثل فيها حتمية متطلبات الأمة وتطلعاتها وقدرية دورها ورسالتها.

وسمو الشيخ خليفة ـ إلى جانب كل ذلك ـ رجل دولة يتسم بالذكاء الحاد وقوة المبادرة والطاقة الكبيرة والحزم وسعة فهم الأبعاد الاجتماعية والتاريخية لبلده وللعالم من حوله.. وهو سياسي جوهري، وقائد تاريخي، منذور منذ البدء لوطنه وشعبه..

ولذلك فقد كانت قيادة سموه لمسيرة النهضة البحرينية فعلا تطويريا متواصلا ، وعاملا حاسما في تخليق قوى التغيير في المجتمع عن طريق تحدي سلطة الواقع الموجود وتغييره وتهيئة مستلزمات تطورها الذاتية والموضوعية لصالح المجموع ، فعبر بذلك عن نموذج فريد بين القادة العظام في المنطقة , واستطاعت قيادته أن تطاول أعظم نظريات القيادة وأكثر نظريات الإدارة تقدما وشمولية ..

ومنذ توليه مقاليد مسيرة النهضة، اختبر سمو الشيخ خليفة مصفوفة من التجارب الإنسانية الفذة, فكانت مسيرة سموه تاريخا حافلا بالاختبارات, وقصة انجاز ثرية بالمواقف, على الصعيدين المحلي والخارجي.. فأفضت هذه المسيرة بتحدياتها الصعبة وانتصاراتها الباهرة إلى تكريس حضور سموه الإقليمي والعربي والعالمي عميدا من أبرز عمداء النهضة العربية المعاصرة , وقائدا من طليعة المؤسسين الطلائعيين . كما شهدت نجاحا ساطعا لمصفوفة السياسات الحكيمة التي اجترحها سموه على صعيد الحكم الرشيد ، والتنمية البشرية، والعطاء الإنساني ، فأثمرت المبادئ التي زرعها سموه أكلها بأسرع ما يكون الثمر , وأروع ما تكون الزراعة ، وصارت مدرسة امتثل لهداها زعماء وقادة بارزون في المنطقة ..

وتنقل سموه في الأرض شرقا وغربا في سبيل البحرين ومن أجل خير شعبها..
يحملها إلى العالم ، ويضع العالم بين يديها ..
يتغنى بها وطنا ودار أهل وعشيرة، وينشدها قصيدة حب، وسورة وفاء، وآية ازدهار، ويقرأها رسالة حضارة، وموئل عز، ومصدر سؤدد، وموطن تعددية وتنوع ثقافي وإنساني، وحصيلة وحدة وتلاحم، ونتاج إصرار وتحد..

وطاول بدولة قليلة عدد السكان وصغيرة المساحة ومحدودة الإمكانيات ، دولا مليونية العدد ، وكيانات قارية المساحة ، وممالك قارونية الثراء والمقدرات ..
فكان سموه دائما مع البحرين : في الجانب الأكثر جلاء من التاريخ .. وفي الجهة الأكثر نقاء من الواقع.. وفي الطيف الأوفر حصافة من السياسة .. وفي الضمير الأطول بقاء من الذاكرة .. وفي الجوهرة الأعمق يقينا من الوجدان البحريني ..

لذلك تتسابق الجامعات والمعاهد العالمية ، كي تطوقه بأوشحتها الرفيعة ، ويتسابق الزعماء والقادة التاريخيين ، كي يزينون صدره بأوسمتهم ، وتتسابق إليه الدول ، كي تهديه نياشينها ، وتسعى إليه المنظمات الدولية ، كي تضع شهاداتها في عهدته ، وكي تضع اسمه على طغراء سجلاتها .. رجل دولة من ضمير، وسياسيا من وجدان، وقائدا من إبداع، ورسول حضارة، وحامل راية أممية، وإنسانا يحمل البحرين في قلبه، وتحمله البحرين في ضميرها..

في عيد ميلاد المليك .. وسيد العهد


بالنسبة لملك كبير ورجل دولة فذ ومجدد ؛ بنى مسيرته منطلقا من كونه جنديا من جنود الوطن ، ومن ميادين العزة والشرف والانضباط ومنتهى الشفافية ؛ يبدو التاريخ ناصعا، جليا، ومنظورا أكثر بكثير منه عند الزعماء والقادة الذين تتشكل سيرهم الذاتية وتواريخهم من حشود الاضاءات المفتعلة ، سواء المغرقة منها بالهجاء أو المبالغة منها بالمديح والتمجيد . عاش جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة المفدى شطرا كبيرا من مسيرة حياته في ميادين الجندية ، وكولي لعهد والده سمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أمير البحرين ، فقد نأى بنفسه وبمنصبه الكبير عن الاضاءات الإعلامية . ومع ذلك فقد كان اقدر من أي قائد آخر على استقطاب المريدين الأوفياء. ورغم انهماكه المبكر بالعمل العام والسياسي إلا انه كان وما زال بلا خصوم حقيقيين ، وعلى مدى سنوات عمله وليا للعهد كان فيها محط آمال وطموحات مختلفة ومتناقضة من والده الأمير الراحل طيب الله ثراه ، ومن شعبه الوفي ، ومن التابعين لقيادته من أفراد وضباط قوة الدفاع ، فان جلالة الملك حمد لم يخذل أيا من هذه الطموحات والآمال ، رغم تناقضها واختلافاتها الجوهرية ، وكان هذا في الواقع واحدا من مفاتيح عظمة حمد بن عيسى ملكا مجددا ، وقائدا إصلاحيا ، وزعيما صانعا للتاريخ ..

*****
وبما أن أفعال جلالته خلال مسيرته وليا للعهد ، ثم أميرا للبلاد ، وملكا للمملكة العريقة ، كانت تعكس رفعة شخصيته وسمو سجاياه، فان أسلوبه كان أحيانا عرضة لعدم الفهم من الذين لم يكونوا توصلوا إلى إدراك متوازن لخصوصية دور ولي العهد في البداية ، ولشمولية الأمير والملك النهضوي والتجديدي تاليا ، في بلد تقليدي . فخلال مدة تولي جلالته منصب ولاية العهد ، لم تلتقط له صورة وراء مكتب ، كانت كل الصور التي تسجل مسيرة حياته وعمله آنذاك تلتقط في ميادين العمل : جنديا من جنود الوطن ، أو رجل دولة يحمل راية بلاده إلى آفاق الدنيا ، أو قريبا من أمير البلاد يمنحه الرأي والمشورة والدعم وشفافية القلب ، وماء العيون ، ورحيق الفكر ، وشجاعة الروح ، وجهاد الساعد . وبعد سنوات قصيرة جدا من توليه راية الحكم ، تمكنت سجايا جلالة الملك حمد وانجازاته والنجاحات التي حققها أسلوبه الإصلاحي المنفتح على الجميع من جلب أفواج المريدين إلى الجانب الذي كان فيه العاهل الإصلاحي . وكان جلالته دائما في الجانب المحق من التاريخ ، وفي الجهة الأكثر نقاء من الواقع .

*****
في رأيي أن نسبة كبيرة من البحرينيين الشباب ليس لديهم فكرة كاملة عما كانت عليه البحرين في مرحلتي الستينات والسبعينات وربما الثمانينات من القرن الماضي. وبالتالي فان فكرتهم عن الانجازات الكبرى التي حققها جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة خلال سنوات معدودة ، ليست متماسكة بالقدر الذي قد تؤدي إليه المقارنة العادلة بين ما كان وما صار . ومع ذلك فان هؤلاء جميعا يشعرون بهذا الازدهار الكبير الذي تعيشه بلدهم وهذه الوفرة التي يعيشونها في حياتهم اليومية وهذه الصروح الإنشائية الكبرى التي تعلو يوميا ، وهذه الديمقراطية والحداثة في أساليب الحكم التي يتعايشون معها .. وهم بالتأكيد يرقبون بعيون قلوبهم وعقولهم أساليب مليكهم المحبوب في السعي بهم إلى أعلى مراتب الرقي والتقدم ، ويقرؤون في خطابه الشفيف والصريح فكر هذا المليك الرائد وطموحاته ، ويواكبون البحرين الحديثة وهي تسجل كل يوم مركزا أول على مختلف المقاييس العالمية .. إن كل ذلك، وكثير غيره، جاء من خلال سياسة حكيمة انتهجها جلالة الملك حمد منذ الأيام الأولى لتوليه مقاليد الحكم، وما تزال هذه السياسة هي جوهر الحكم وفلسفة القيادة.

*****
في اليوم الثامن والعشرين من شهر يناير عام 1950، استيقظ الفجر على ميلاده وعدا بحرينيا مكللا باليقين.. واستقبلته شغاف الوطن: فارسا عربيا يغير مسار التاريخ.. وقائدا منتظرا يبحث عنه الحاضر ويتشوق إليه المستقبل.. وكانت احتياجاته زيا عسكريا وسلاحا ومعرفة يناضل بها من اجل بلده ويجاهد بها في سبيل حياة شعبه .. وقائدا، حيث كان الوطن بالنسبة إليه قيمة داخلية، والجندية حالة نفسية، والكرامة قوة ذاتية، والعروبة طاقة داخلية، ورائدا، حيث كنت منذ صباك وطفولتك مشغولا بالوطن حاضرا ومستقبلا، ومنشغلا بالمواطن أخا ورفيقا وصديقا..

وفي عهده استعادت البحرين لياقتها الدولية، ورسالتها الحضارية ، ومكانتها العالمية، وحضورها في أروقة العدالة وحقوق الإنسان ، وتقدمها على مدارج الديمقراطية والإصلاح ، ودروها المحوري .. وما زلت تمتشق سيف الإصلاح، ممتطيا صهوة الحق، وفاتحا أمام شعبك سبلا جديدة للتميز، وطرقا سديدة للرفعة، ودروبا عتيدة للكرامة والعزة..

*****
قامت سياسة جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة منذ ارتقائه سدة الحكم، على صناعة وتأهيل وتطوير المجتمع المدني " لأنه نتاج التحاور العقلاني الحر والهادئ، والإيمان بالممارسة الديمقراطية وحرية الاختلاف في الرأي" ـ كما قال جلالته في أحاديث الوعي الوطني ـ " فما كان ممكنا لنا أن نتوافق على الميثاق ومشروع الإصلاح، ثم نواصل المسيرة لولا وجود مجتمع مدني متقدم في البحرين يمثل الأساس الوطيد لانطلاق التجديد الدستوري والديمقراطي " .

بهذا ، اقتحم جلالة الملك حمد عباب الذاكرة العربية رائدا للإصلاح، فكان مقارنة مع كل زعماء وقادة العالم العربي قائد سرب الإصلاح الذاتي ورائد درب الحكم الرشيد ، فعلمنا كيف تقوم الرؤية الاستشرافية بدورها في استشعار الطريق أمام الأمة , وكيف يقوم التصميم والإصرار بدوره في اختبار التحديات أمام الدولة , وكيف تقوم القيادة بمسؤوليتها , كحاوية للثقافات , والايدولوجيات , والأجندات , والمقدرات والمواهب , لتوظيفها جميعها في خدمة المشروع النهضوي .. وبهذه الرؤية, فقد استطاع جلالته أن يحول الأزمات, إلى روافع, والتيارات المعاكسة إلى رياح مسالمة, تخدم توجهات السفينة, وتنصاع لعبقرية الربان.. وتمكن من تحويل الفراغات السرمدية بين الواقع المتخلف نسبيا , والمقدرات المحدودة , والإمكانات المتواضعة , والظروف السياسية والتاريخية العاصفة , في جهة .. والآمال والطموحات والتطلعات في جهة أخرى, إلى جسور هائلة, متينة, متماسكة, نقلت البحرين, إلى دولة تسابق الزمن, وتقتحم المستقبل, وترفع راية الريادة الحضارية على مستوى المنطقة، وراية الإصلاح على مستوى العالم العربي.

*****
ومنذ توليه مقاليد الحكم في العام 1999، عاش جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة تجربة إنسانية فذة, مليئة بالاختبارات, وثرية بالمواقف, والمحاور المركزية, على الصعيدين المحلي والخارجي.. فشهدت هذه المسيرة تكريس حضور جلالته الإقليمي والعربي والعالمي رائدا من باعثي الإصلاح العربي , وزعيما مؤسسا من طليعة المؤسسين . كما شهدت نجاحا ساطعا لمصفوفة السياسات الحكيمة التي اجترحها جلالته على صعيد الحكم الرشيد ، والنظام الديمقراطي ، والحياة البرلمانية فأعطت المبادئ التي زرعها جلالته أكلها بأسرع ما يكون الثمر , وأروع ما تكون الزراعة ، وصارت مدرسة امتثل لهديها زعماء وقادة بارزون في المنطقة , وتنقل جلالته في الأرض شرقا وغربا في سبيل هذا الوطن ومن اجل خير شعبه .. ما فتح للبحرين سبلا عديدة للريادة.. وفيما كانت مقاييس الدول من حولنا تتجدد لتستلهم الانجازات البحرينية ، وكانت البحرين تدخل في كل يوم مصفوفة جديدة من قوائم الدول الفائقة ، في التنمية البشرية ، والشفافية ، والديمقراطية ، والاستثمار ، وحرية الاقتصاد ، وتشغيل العاطلين عن العمل ، والتعليم الالكتروني ، ومدارس المستقبل ، وتمكين المرأة ..

فيا صاحب الجلالة.. ويا سيد العهد..
لك المجد وعليك السلام في يوم عيد مولدك البهي..
ولك هذه الحناجر التي تهتف بحياتك ملكا، وهذه القلوب التي تنبض بحبك قائدا، وهذه النفوس التي تزهو بمحبتك فخرا واعتزازا..
ولك ما في ضمائرنا من يقين، و ما في أقلامنا من قصائد، و ما في بحرنا من عطاء..
لأن كل الأعياد يوم أو بعض يوم.. وعيدنا بك أيام وسنوات ..
ولأن كل المناسبات تسجلها الرزنامات والمفكرات.. ومناسباتنا بك تسجلها القلوب والانجازات ..

الاثنين، 14 يوليو 2008

فاروق المؤيد.. رجل أعمال ذو مسئولية اجتماعية ومدنية


رغم كونه ظاهرة دينامية مالية نشطة تجمع بين العصرية والعراقة , وبين البورجوازية التقليدية الموروثة , والارستقراطية الحديثة .. إلا أن فاروق المؤيد, عبر دائما عن قابلية مدنية, تتفوق على مؤسسات كاملة من تلك المؤسسات, التي تسمى " مؤسسات المجتمع المدني " بكل منابرها و مجالس إدارتها وأعضائها وأنظمتها الداخلية ولوائحها التنفيذية..

ولعل الكثيرين من الذين لا يقرؤون إلا أوائل السطور وظواهر النصوص , فسروا هذا الزخم المدني عند الرجل , كما ظهر في تحركاته لتشكيل طيف أو تيار سياسي نيابي ,على انه انتقال دراماتيكي , يحدثه هذا الفاروق المؤيد مدفوعا بسطوة رأس المال , لاقتحام إقطاعية جديدة , هي هذه المرة : إقطاعية سياسية ..!

غير أن هذا التفسير في الواقع, تأويل بلا ذاكرة, وحكم بلا حيثيات, وتحليل تكتنفه نوازع "التحريم"..! وتفنيد هذا الزعم, لا يحتاج في الواقع إلى مجادلة كبرى. فالرجل حتى الآن لم يتحدث سياسة, بل في أصوليات المجتمع المدني.. وإذا كانت نخب المجتمع المدني البحريني, اعتبرت حديث الرجل سياسة, فذاك لأنها غارقة بالسياسة, إلى درجة تقويض القطاعات الأخرى على حساب قطاع السياسة الذي أصبح يقدم مهنة لمن لا مهنة له..

وفي عصر تغلب عليه الانطباعية السائدة, تستطيع أن تصنع نائبا في البرلمان بحفنة أصوات.. وتستطيع أن تصنع سياسيا بتوقيع على عريضة.. أما القادرون على حمل الرسائل الوطنية والتعبير عنها بامتلاك قابض على اعز مفرداتها , فهؤلاء يصنعون أنفسهم عبر فكر متراكم واقتدار محكم ..

إن شخصية فاروق المؤيد التي تلتقي عندها مشارف السياسة بتخوم الاقتصاد , اقرب ما يكون إلى شخصية "جون لوك" , الفيلسوف والاقتصادي والمجادل البريطاني اللاذع , وأحد المع مفكري عصر التنوير الأول .. وأول من قال بحق الأفراد في مقاومة التشريعات غير العادلة, وحق المجتمع المدني في الرقابة على المؤسسة التشريعية..

في حديث خاص مع شقيقة فاروق المؤيد, الكاتبة والإعلامية سلوى المؤيد, أشارت إلى الأب: يوسف المؤيد, بالقول انه كان صاحب نظرية في التجارة والحياة, يمكن تسميتها بـ "نظرية استثمار الأصول المعطلة".. ومن الواضح, أن فاروق المؤيد, الذي تتلمذ على هذه النظرية, أصبح أستاذا فيها. ولا شك أن دعوته لتعميد تيار اقتصادي , يدخل المعترك السياسي , عبر أكثر بواباته مشروعية , واعني بوابة التمثيل النيابي , هي تفعيل واقعي لنظرية "استثمار الأصول المعطلة " : حين تخلف التجار ورجال الأعمال وبيوتات المال والتجارة والصناعة في البحرين , عن التقاطع مع الهم الوطني بصورته التفاعلية , تراكمت تحت السطح كثير من الأصول البحرينية الناجزة والمواكبة لمسيرة وطنية واقتصادية كبرى .. ومع بروز الراديكالية بشقيها : الديني والسياسي , فان الصوت الهادئ والواقعي لتلك الأصول , تعطل في غيابة جب الخطاب والفعل السياسي بنسخته البحرينية الجديدة .. وبالتالي فقد كان لا بد لتلك الأصول الليبرالية التقليدية, أن تعود للامساك ببعض نواصي الأمور بعد أن أصبحت مشاعا..

ثمة لدينا شاهد مباشر , على الرغم من بساطته وسطحيته النسبية مقارنة مع عمق وموسوعية فكر الرجل : في إحدى الندوات العامة , تساءل فاروق المؤيد , بشيء من التعجب الساخر : لماذا نعيد إنتاج الاختلاط في الجامعات , كإشكالية مجتمعية , في الوقت الذي انتهى السابقون لنا في كل المجتمعات المماثلة ,من بحثها , وتشريعها , وتقنينها , والتعامل معها كمظهر طبيعي من مظاهر العصر ..؟! .. إننا بهذا نعطل أصلا مكتسبا , ونعود بأنفسنا إلى ما قبل تشكيل هذا الأصل , لنبدأ من الصفر ..!! أليس كذلك ؟!

غير أن فاروق, أعاد إنتاج نظرية يوسف المؤيد, من موقعه الحالي.. أي باعتباره "تايكون" القطاع الاقتصادي البحريني ..رغم أنه شخصيا يرفض هذه الكلمة او على الأقل نسبتها اليه ..

وفي السنن الطبيعية للتايكونات , فان هؤلاء يتمتعون ببراعة تجعلهم يدركون متى تكون الأفكار التي تبدو للجميع بعيدة المنال قابلة للتحقيق ..

وفي السنن الطبيعية للتايكونات , فان تفسير الآخرين لانتقالاتهم ـ التي تبدو دراماتيكية في الظاهرـ , يختلط عادة , بالتخوف , والاتهامية , والحسد , وحسابات الربح والخسارة الساذجة ..

ولكن بالنسبة لأصدقاء فاروق وعائلته والمراقبين الفاحصين لمسيرة الرجل وفكره, لم تكن هناك غرابة أو غموض في تجواله الأخير على فضاء السياسة. لقد كان نفسه: ذلك الرجل اللامع الذي لا يخشى المخاطر، المناهض للمعتقدات التقليدية، والقادر دائما على تأسيس حافظة جديدة جامعة لأرصدة متفرقة.. والتائق دائما لاجتراح خط جديد من خطوط الإنتاج ..

هو من مواليد العام 1944 . حاصل على بكالوريوس الهندسة الميكانيكية من جامعة لوجبورو ببريطانيا في العام 1966. متزوج ولديه ثلاثة أبناء وبنت واحدة. سجله الاجتماعي حافل بحشد من النشاطات والاهتمامات التي تعبر عن مسئولية اجتماعية عالية المستوى ومرموقة بامتياز يحرص الرجل على الالتزام بها. ومن موقع عمله كنائب لرئيس مجلس إدارة هيئة تنظيم سوق العمل الذي تم تشكيله بمرسوم ملكي، فقد يكون وجد فرصة لتحقيق بعض تطلعات ونظريات آمن بها دوما وطرحها في المنتديات المحلية التي شارك بها ، مدفوعا برسالة اقتصادية اجتماعية هي بعض نتاج التجارب التي اختبرها كرجل أعمال مفكر ، يحمل هما إنسانيا ويؤمن بمسئولية اجتماعية تجاه مجتمعه ووطنه ..

يرأس الرجل سلسلة لا تكاد تنتهي من مجالس الإدارة لشركات بحرينية وخليجية كبرى .. ويشارك في عضوية مجالس إدارات الشركات الأخرى . وعبارة "الذهاب إلى العمل " لها في قاموس فاروق المؤيد أكثر من مئة مرادف, تبدأ من الذهاب إلى مكتب متواضع نسبيا في باب البحرين , أو حضور اجتماع في نادي الجولف , أو رئاسة اجتماع لهيئة خيرية .. وصولا إلى اجتماع عاجل في طوكيو , يتبعه لقاء مع شريك في روما ..! وعندما يشير إلى نفسه كوكيل تجاري, فانه يعني أكثر من 300 وكالة لأسماء تجارية كبرى وشهيرة..! وحين يقول "مجال عملي" فانه يقصد التجارة والصناعة والسياحة والإعلام والبنوك والخدمات.. والماء والبترول والهواء وقليل من شعاع الشمس وضوء القمر..!

فالرجل مالك متمكن لسطوة المال . وهو يتعامل يوميا مع سطوة النفوذ . وتحرك أصابعه بعضا من سطوة الإعلام .. أما اختراقه لسطوة السياسة , فقضية أخرى , تنبع من امتلاك الرجل لرسالة وطنية .. يقول : ""عاشت البحرين أجواء ليبرالية منفتحة لعقود عدة . والمتشددون يحاولون اليوم إغلاق الباب وعدم القبول بالآخر.. إن علينا واجب استعادة تلك الهوية البحرينية الأساسية التي يحاول البعض تغيير بياناتها "..

قد يشخص البعض , هذه الرسالة بأنها نوع من التجسد الحديث , لـ "جلجامش" الساعي إلى نبتة البقاء أو الاستمرارية النامية .. وقد يراه المتفائلون, صورة عصرية لـ " بروميثيوس " الذي يجلب التقدم لقطاع يقال انه بات مهمشا , وقطاع يقال انه بات متغولا على غيره .. غير أن الأكثر أهمية من كل ذلك أن لا يلاقي هذا الاقتصادي ذي المسئولية الاجتماعية التواقة ، مصير "بروميثيوس" , فيعاقب لأعماله الصالحة ..!

الدكتور مصطفى السيد .. مهندس اليوتوبيا



بين أن تكون أو لا تكون.. شعره فاصلة هي بشكلها الفطري الخيوط التي نسج منها الدكتور مصطفى السيد نظرية صاغها في فلسفة الإدارة , وأسماها (MOCIF) .. وهو قد لا يعجبه هذا التوصيف الشاعري لنظرية أكاديمية .. ولكني استطيع أن أحيله هنا , إلى ما افرزه تطبيق هذه النظرية في شركة الخليج لصناعة البتروكيماويات .. وفي المقارنة بين ما كانت عليه هذه الشركة, وبين ما أصبحت عليه جراء تطبيق هذه النظرية, يمكن العثور على إبداعات عبقرية أيضا, نجد الطريق إليها عبر خطوط نظرية ثانية ابتدعها الدكتور السيد أيضا, واسماها (CREAMOC)..

وبين أطراف الفضاءات التي ترسمها هاتان النظريتان اللتان دخلتا القاموس الانجليزي , ومعاجم الإدارة , والفلسفة , والتخطيط الاستراتيجي , وعليهما خاتم "صنع في البحرين" يمكن العثور بسهولة على شخصية الدكتور مصطفى نفسه , ممسكا بيده اليمنى شفافية اليوتوبيا , وبيده اليسرى صرامة المعرفة الأكاديمية .. انه مهندس يوتوبيا الإدارة بحق , وهو أيضا ميكانيكي الاستراتيجيا الصناعية بجدارة , وفي المساحات الواصلة بين هذين الاقنومين تحتشد مصفوفة متكاملة من الاهتمامات والمهارات والملكات الإبداعية لترسم لنا الصورة الأكثر ايجابية ونقاء عن مصطفى السيد , كمثقف بحريني موسوعي يستطيع ببساطة متناهية أن يوظف نظريات الهندسة الميكانيكية في دفاعه عن البيئة النظيفة , ويوظف نظريات الإدارة في أطروحاته التربوية , ويوظف الدالة النافذة التي يتمتع بها في منظومة متتالية من الأعمال والمبادرات الإنسانية ..!

في النسخة البسيطة لسيرته الذاتية نقرأ انه من مواليد المنامة – 26 /10/1947 ــ, أي انه من برج "العقرب ".. ولو فتحت أي كتاب عن مواصفات أصحاب هذا البرج , لقرأت ما يلي : " بإمكانك الاتكال على مولود برج العقرب , فهو مخلص وفي حتى ما بعد النهاية . يتمتع بقدرة عبقرية على تحريك الخيوط , والنهوض بالأشياء من الرماد كشعلة متأججة . انه قوي جدا , ودود للغاية , يتمتع بكياسة مفرطة , ولكنه لا يقبل الفشل . يلحظ الأخطاء من مسافات بعيدة , ولكنه يتصف بالنبل الذي يجعله لا يكثر الإشارة إلى هذه الأخطاء . يبرع في مجال الأبحاث والإدارة . في الحياة الاجتماعية متواضع جدا, وفي الحياة العلمية متعجرف للغاية, لأنه لا يتحدث إلا واثقا, ولا يناقش إلا عن قناعة مطلقة.."

إن الذين يعرفون الدكتور مصطفى السيد عن قرب, سوف يندهشون لتطابق هذه المواصفات مع شخصية الرجل.. ولأننا عرفناه عن قرب أيضا , فسوف نضيف , أن عبقرية الرجل تكمن في قدرته الهائلة على لم شمل العناصر المتنافرة والمتباينة وحتى تلك التي لا يمكن تعيين هويتها , وجمعها في لوحة مثالية, ذات هوية جديدة , ودور ايجابي فاعل في الحياة ..! .. فهو كما قلنا مهندس اليوتوبيا العملية .. وليس ذاك الشخص الحالم بيوتوبيا نظرية تنام بين دفتي الأسطورة , وتقيم فقط في أحلام الشعراء والفلاسفة ..!

عندما وضع أسس نظريتيه (MOCIF) , و (CREAMOC) , كان مصطفى السيد يضع الأسس العملية والنظرية الواقعية لإنتاج يوتوبيا إدارية , ومؤسسية , تجعل من المثالية مناخا طبيعيا يمكن التوصل إليه بواسطة منظومة إدارية بسيطة تجمع ما بين السهل والممتنع , وتفضي إلى تشكيل فضاء حالم و منجز في نفس الوقت .. ! وقد اثبت الدكتور إمكانية تحقق هذا التشكيل عمليا , إبان قيادته لدفة شركة الخليج لصناعة البتروكيماويات , فانتقلت خلال فترة وجيزة من شركة متعثرة , إلى صرح إنتاجي متقدم وفاعل , وقادر على انتزاع شهادات النجاح والتفوق من مؤسسات الرصد ومنظمات الرقابة العالمية والإقليمية , إضافة للأرباح الكبرى التي حققتها الشركة بعد أن كان ميزانها يميل باتجاه الخسائر ..!

إن (MOCIF) , و (CREAMOC) , ليستا إلا جزءا من أطروحة الدكتور السيد التي قدمها لنيل درجة الدكتوراه في الاقتصاد والعلوم السياسية من جامعة لندن. إلا أننا اطلنا التقارب مع هاتين النظريتين, لأنهما تشكلان مفتاحا آمنا وناجزا للإفضاء إلى شخصية الرجل ومسيرته العملية والعلمية..

بدأ حياته العملية في إدارة القوى العاملة لدى شركة نفط البحرين, ولمدة 15 سنة. عمل بعدها رئيسا لمهندسي الإنتاج بإدارة الكهرباء لمدة 5 سنوات , ثم رئيسا تنفيذيا لشركة ميدال للكابلات لمدة 5 سنوات , أيضا , وبعدها مديرا عاما لشركة الخليج لصناعة البتروكيماويات , حتى اختارته العين الاستشرافية للقيادة , ليتسلم دفة القيادة الأولى في شركة نفط البحرين , رئيسا للشركة .. ! ومرة أخرى نجد أنفسنا أمام (MOCIF), و (CREAMOC).. فإستراتيجية التطوير والإبداع التي تقترحها هاتين النظريتين , لا تنحصر فقط بالإدارات المؤسسية , بل لعلها تمتد إلى إعادة تشكيل الأشخاص أنفسهم , فتفتح أمامهم الطريق تلو الطريق للمزيد من الترقي على مدارج المسؤوليات العليا .. وتجعل من عصاميتهم, خطة إستراتيجية مدروسة ومختبرة بالكثير من النجاحات الباهرة, وليس مجرد ملكات شخصية مبعثرة هنا وهناك..!

في 16 /11 /2002 , صدر المرسوم الملكي السامي بتسميته عضوا في مجلس الشورى , وكانت هذه العضوية تتويجا لقائمة ممتدة من العضويات التفاعلية للرجل , موزعة على أكثر من صعيد وفي أكثر من مجال .. فهو: رئيس جمعية الصحة والسلامة البحرينية, ورئيس الاتحاد العربي للأسمدة, وعضو جمعية المهندسين, وعضو جمعية الإداريين البحرينية, وعضو مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث, وعضو مجلس إدارة جامعة البحرين.. وحين يجد فراغا بين انشغالاته بهذه العضويات التفاعلية المتعددة , فانه يعبر عن دوره كناشط بشئون الصحة والسلامة والبيئة , وداعية تنويري في مجالات التربية و له عدة مؤلفات وقصص للأطفال ..! ولو سألته كيف يجد الوقت والتركيز للإلمام بكل هذه النشاطات وحقول العمل العام, فانه ربما يحيلك إلى (MOCIF), و (CREAMOC).. أيضا !

في مجلس الشورى, عبر الدكتور مصطفى السيد, عن شخصية تشريعية من طراز رفيع, سواء عبر مداخلاته المكثفة والمركزة, أو عبر مقترحاته, وإضافاته على القوانين ومشاريع القوانين, والتي يمكن وضعها في سياق منظومة إستراتيجية متكاملة, تتصل بصحة وسلامة البيئة والأفراد والمجتمع.. وصولا إلى صحة وسلامة القوانين نفسها ..! ومرة أخرى نجد أنفسنا أمام اليوتوبيا , التي يقول احد آبائها العظام , وهو شوبنهاور : إن أعظم ما يميز المثاليين ,أن تكون تطلعاتهم قادرة على إيقاظ حوافز الإبداع والنقاء ليس لدى الشعراء والفنانين فحسب , بل لدى الأشخاص العاديين .. وحتى الهامشيين في المجتمع ..!

الدكتور مصطفى الآن عضو في مجلس إدارة شركة طيران الخليج ، بعد أن أخلى مقعد رئاسة شركة بابكو .. وفي مسيرة مرشحة للصعود والامتداد أكثر ، فان الوسام الذي انعم به جلالة الملك ، على الدكتور السيد ، في العيد الوطني / 2007 ، يمثل تتويجا رسميا لمرحلة حافلة بالانجازات حققها السيد لنفسه ، ووطنه ، وللشركات التي أعاد صياغة تاريخها النوعي . فالوسام الملكي إذن جاء تعميدا لجهد مبدع بحريني حلق في فضاءات عديدة ، ولكنه ظل دائما مرتبطا على نحو جوهري ، بأرض البحرين ، وواقعها ، ومناخاتها ، وبيئتها ، وإنسانها ، وكان منشغلا على الدوام ، بتحقيق واحدة من أكثر المعادلات الإدارية والاقتصادية صعوبة وسهولة في نفس الوقت ، وهي المعادلة التي تعتبر أن مجرد نجاح الشركة الوطنية في صميم أعمالها وتخصصها ، لا يمثل انجازا ، بل عليها أن تكون رديفا ومساهما طلائعيا في خلق النجاحات لعناصر المحيط من حولها ، سواء كانت هذه العناصر إنسانية أو مؤسساتية أو بيئية أو اجتماعية ..

السبت، 12 يوليو 2008

محمد المطوع.. الوزير.. المستشار.. السوبر


الوزارة... كلمة تقع في اللغة في موضع محيّر وخطير.. بين الوزر في جهة , والمؤازرة والأزر في جهة أخرى .. وثمة في التاريخ السياسي البشري, وزراء جسدوا الأولى بكل شططها وتبعاتها, فكانوا وزرا على الأوطان والشعوب والسلاطين.. وثمة في نفس التاريخ, وزراء استحقوا شرف الثانية, بما هي استحقاق للتخوم التي يتطاول إليها دعاء سيدنا موسى الخالد لربه أن يهب له وزيرا يشدد به أزره..

وفي التاريخ السياسي البحريني الحديث , نعثر على وزيرين تحققت فيهما الوزارة , بما هي إمعان بالمؤازرة , وشغف لا ينتهي بشد الأزر, ونأي دائم عن المساحات التي تتخلق فيها الأوزار : الأول , هو المرحوم السيد محمود العلوي الذي كان مستشارا وزيرا , والثاني محمد المطوع الذي يمكن أن يقال عنه وزيرا مستشارا ..

وإذا كان "ويسلر" هو أول من نظر إلى وجود "دائرة ثقافية" تقوم عليها حضارة المجتمع , فان الوزير المستشار محمد المطوع , ربما يكون أول وزير عربي يرسي "دائرة ثقافية" تقوم عليها سياسة الحكومة . فخريج الفلسفة, الذي يصفه مجايلوه في جامعة الإسكندرية , بأنه كان شغوفا بالقراءة , والبحث , وتشكيل ثقافة مرموقة رفيعة , استطاع أن يكوّن نموذجه الخاص لمفهوم الوزير الموسوعي .. غير أن نموذج المطوع بين الوزراء, لم يتأسس في الواقع على هذه الخاصية فحسب. فثمة إجماع بين مختلف النخب البحرينية , على أن ملكات الرجل السياسية والإدارية , ما كان لها أن تبرز على هذا النحو الرفيع , لولا أنها تغذت مباشرة من الدائرة المحيطة بصاحب السمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء ..

في أكثر من تحليل ومقاربة لبعض الشؤون السياسية البحرينية, وصفنا محمد المطوع عندما كان وزيرا لشئون مجلس الوزراء, بأنه " الوزير السوبر".. وهو وان كان أخلى تلك الحقيبة لزميل آخر, فانه ما يزال الوزير السوبر.. وان كان الآن لا يحمل حقيبة وزارية محددة , فان موقعه ككبير لمستشاري سمو رئيس الوزراء , يضع بين يديه مفاتيح الكثير من الحقائب الوزارية ..

وإذا كانت الوزارة كما يقول الماوردي على ضربين : وزارة تفويض ووزارة تنفيذ .. فان المستشار محمد المطوع, هو المفوض الأبرز بين " رجال الرئيس ".. وهي مكانة تختزن بالتأكيد ألوانا من الكفاءات المتعددة, والملكات الرفيعة, والثقافة الموسوعية, وحسن التدبير, والإخلاص في العمل, والشغف في التعاطي مع الملفات الأكثر تعقيدا, وفك أقفالها, وحل ألغازها.. وقبل كل ذلك وبعده الولاء المطلق لـ " طويل العمر "..

يقول الثعالبي في (التواقيت) : الوزارة اسم جامع للمجد والشرف والمروءة .. وحُكي أن الخليفة المأمون العباسي كتب في اختيار وزير له: (إني التمس لأموري رجلا جامعا لخصال الخير , ذا عفة في علاقته , واستقامة في طرائقه , له صولة الأمراء , وأناة الحكماء , وتواضع العلماء , وفهم الفقهاء). وبين مجد الصحبة اللصيقة بـ " طويل العمر" , وشرف الخدمة , ومروءة الأداء , يمكن أن نعثر على كثير من خصال الرجل , الذي اصطفاه خليفة بن سلمان , على ذات المقاييس التي تمناها المأمون في وزيره ..

يمثل محمد المطوع جيلا من رجال التكنوقراط , الذين تلقوا مبادئ السياسة والإدارة في مدرسة عميد النهضة البحرينية .. وهو وان كانت تغلب عليه سمة "الارستقراطية الفكرية" , كما ظهر في بعض سجالاته مع النواب إبان كان ممسكا بمفاتيح حقيبة الوزارة , إلا انه من جيل الموظفين الذين جمعوا إلى العصامية , حسا نقديا فلسفيا عاليا , لا يؤمن بصحة أي فكرة , إلا بعد أن توضع على محك الغربلة، والنقد، والتمحيص. انه الحس الذي اعتبره "كانط " و" ميشيل فوكو"، و" ليفي ستراوس " , من ألزم لوازم رجل الدولة .. ونظنه الحس الذي اكتشفه سمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء عند الرجل , فاختاره لما اختاره إليه ..

من موظف في وزارة العمل والشئون الاجتماعية في بداية السبعينيات , صعد محمد المطوع سلم المناصب والمسؤوليات , ليرتقي مقعد مدير مكتب سمو رئيس الوزراء عام 1977 . ومن على هذا المقعد الركين الذي تشكلت عليه شخصية الرجل بطرازها البروتوكولي الرفيع , تسلم المطوع مفاتيح وزارة شئون مجلس الوزراء , جامعا إليها حقيبة الإعلام فترة من الوقت , ولتبقى هذه الوزارة ـ شئون مجلس الوزراء ـ رديفة لاسمه في كل التشكيلات والتعديلات الحكومية , حتى التعديل الذي جرى في بداية عام 2005 , حيث عين مستشارا ثقافيا لسمو رئيس الوزراء بدرجة وزير ..

حافظ محمد المطوع في البداية على دور غير مرئي في الهيكل الحكومي, حتى وهو يحمل حقيبة الإعلام, التي تستلزم منه ظهورا يفوق ظهور زملائه الوزراء.. ويؤكد العارفون بما وراء الكواليس الحكومية , انه عندما تحول إلى وزير مرئي , فانه حافظ على إظهار جزء يسير فقط من دوره الحقيقي ..

وفي العودة إلى التشكيل الأكاديمي لشخصية الرجل, نجد انه تخرج من جامعة الإسكندرية ـ قسم الفلسفة وعلم الاجتماع, في العام 1970.. ولعلنا نمسك هنا , على أول مفاتيح "الارستقراطية الفكرية" عند المطوع , كما تبرز في القاموس اللغوي الرفيع , الذي يتيح له التصرف بملكة النقد , التي عبر عنها مبكرا , ووظفها في السياسة .. ومثلما قرأ محمد المطوع في الفلسفة أن مفهوم الدولة الحديثة يعني عقلنة السياسة , فانه صاغ مفهوما مماثلا للوزارة الحديثة يتأسس على عقلنة الإدارة .. فكانت تلك مهنته ووظيفته .. وربما رسالته أيضا.. فكان بلا منازع من أكثر الرسميين مقدرة على صياغة آرائه وإخراجها على نحو تبدو معه وكأنها الحقيقة المجردة والأخيرة والتي ينبغي أن يصل إليها أولئك العاطفيون المنساقون وراء الخطاب واللغة القديمة.
لقد لخص الرئيس ترومان تجربته عندما كان كبيرا لموظفي البيت الأبيض قائلاً : " إنني اجلس هنا طوال النهار محاولا إقناع الوزراء وكبار السياسيين بعمل تلك الأشياء التي كان يجب أن يكون عندهم ما يكفي من الإحساس للقيام بها من تلقاء أنفسهم وبدون حث من جانبي " .. وهكذا كانت وظيفة محمد المطوع على مدى عقد ونصف من الزمن .. وما تزال .