الجمعة، 8 أغسطس 2008

لآلئ راشد الزياني.. في " البحرين بين عهدين "



الباحث.. الكاتب.. رجل الاعمال .. التاجر .. الوجيه.. كلها القاب ودلالات يمكن ان تسبق اسم راشد الزياني . غير ان الرجل في الحقيقة لا يحتاج لاي من هذه الالقاب والتعريفات , اذ يكفي ان تقول راشد الزياني , ليدرك القارىء او السامع انك تقصد الرجل الذي صنع كل هذه الالقاب والمراكز الوظيفية والمعنوية التي احتلها بملكاته المتعددة , او استسلمت هي اليه طائعة مختارة ..

ما كان لراشد الزياني ان يختار توقيتا لاصدار كتابه الثالث " البحرين بين عهدين " أفضل من الوقت الراهن . ففي هذا الوقت الذي يتماهى فيه تاريخ البحرين , مع تداعيات السياسة , وتعمل فيه بعض مفاعيل هذه السياسة على فرض تغييب قسري على بعض مراحل هذا التاريخ او حقائقه .. في هذا الوقت بالذات تبدو مبادرة الزياني " ضربة معلم " . اذ انها نجحت تماما في تنشيط الغدد الصنوبرية , في الدماغ البحريني , واحياء جزء من الذاكرة التاريخية للمملكة , استباحته السياسة . المثير هنا ان راشد الزياني لم يكتب تاريخا , ولا كتب سياسة ايضا . انه فقط غاص في التاريخ , فخرج منه محملا باللؤلؤ . وهذه هي مهنة راشد الزياني التي ورثها عن آبائه واجداده . ولكن لآلىء راشد الزياني التاريخية , اثمن بكثير من كل اللآلىء التي توضع على جيد النساء , فالرجل غاص وأخرج من اللؤلؤ النادر ما يصلح لتزيين جيد مملكة . وكتاب " البحرين بين عهدين " , لا يعتبر في الواقع بحثا تاريخيا بقدر ما هو تنقيب في التاريخ . ويمكن وصفه بأنه أوراق بحرينية , ما تزال تحمل على مر الدهور والاعوام نكهة البحرين القديمة نسبيا , بكل ما في تلك النكهة من لذعة الحضور الدافق , ووجدانية الغياب في المجهول .

والكتاب, يشكل قراءة سلسة, بسيطة, في تاريخ كان بسيطا فعقدته السياسة. فالزياني , في " البحرين بين عهدين " لا يحاكم التاريخ , ولا هو معني بتصنيفه ايدولوجيا , انه يفعل تماما كالغواص الحاذق : يغوص الى تلك الاعماق المظلمة , فيخرج منها ما تيسر , وعلى السطح يقوم بفرز ما امتلأت به جعبته , فلا يستبعد شيئا . فثمة حاجة لكل شيء , وثمة وظيفة لكل محارة . وبعضها قد يبدو في عيون الجاهلين بلا فائدة , ولكن عيون خبير اللؤلؤ العريق والحاذق , والغواص المتمكن , تستطيع ان ترى ما لا يراه الغير . يتضح هذا بشدة من خلال الوثائق " العادية " جدا التي استخرجها الزياني من البحر المظلم للتاريخ , فأعاد قراءتها بما ينبغي لها من حنكة ودراية وفهم عميق , وتسامح قد يظهر للبعض مرنا , ولكنه عند العارفين والخبراء اكثر صرامة وتشديدا من شروط المؤرخ . ونشاطات راشد الزياني في التأريخ للبحرين القديمة نسبيا ـ وبحرها , ولؤلؤها , وناسها , وعاداتها , وتقاليدها , وتلك البهجة العفية فيها على رغم الكثير من ضنك الحال , وتداعي العوامل السياسية والاقتصادية وأطماع القريب والبعيد على حد سواء ـ في النصف الاول من القرن الماضي, هي التي - من بين نشاطات وكتابات اخرى - جعلت كثيرا من مراقبي هذا التاريخ والباحثين فيه , يلتفتون الى ما يتجاهله المؤرخون في العادة . بل انها جعلت الكثير من البحرينيين يعيدون النظر في انتمائهم الشخصي الى البلد التي عاشوا فيها وشكلت وجدانهم, أطفالاً وشباباً ورجالاً ونساءا.. فراشد الزياني , استطاع في ثلاثيته " ذكريات وتاريخ " , " الغوص والطواشة " , " البحرين بين عهدين " , ان يكسب هذا الانتماء وجدانا أكثر شفافية , وان يظهر من العلائق التي تبدو بسيطة , ولكنها في الواقع عميقة جدا , ما يكفي لاكتشاف الذات الجمعي للوطن وانسانه . وبهذا المعنى, فإن الزياني هو احد مؤسسي حزب " البحرين اولا .. " , فالبحرينيون يولدون ويربون ويراهقون ويعرفون الحب الاول ويتعلمون ويعاركون الحياة والكتب والنساء والاصدقاء والاحزاب والمظاهرات والنجاح والفشل في البحرين .. بما هي كيان واحد رحب يطلع من جذر البحر , وتسري دماؤه مع نسغ نخيل الارض , ثم يدعون بأنهم من المحرق , او المنامة , او ستره , او مدينة عيسى.. وهذا ما تحرر منه راشد الزياني , وحرر معه الكثيرين , عبر ثلاثيته الاكثر عمقا في حب البحرين .

والزياني الذي يبحر في كل " أشياء " القرن الماضي , واوراقه , ورسائله , وذكرياته بذكاء الباحث الانثروبولوجي الوطني, ولغة الاديب الشاعر , واصرار الغواص الذي لا يكل ولا يتعب , وحنكة التاجر الذي لا يرى من الحكمة القاء اي شيء , بل يستفيد من كل صغيرة وكبيرة , صنع كتاباً بهيجا على رغم ما فيه من عوامل القهر احيانا . وهو مزيج من المادة البحثية الدقيقة بتفوق , والنص المتخيل بشاعرية ورومانسية .. يأخذ خيوطاً من الوقائع والانطباعات المسجلة او المروية , و " يشك " فيها ما استخرجه من لآلىء ودانات الوثائق , ليصنع منها عقودا , ليست للزينة بالضرورة, ولكنها, بالتأكيد, تزين جيد الامس البحريني البهي , وتعيد اظهاره بجلاء , وطهارة , ونقاء .. وهي تشكل ايضا ذخيرة للحاضر , ورصيدا للمستقبل .

وفي كل دانة من دانات الزياني , ستجد التاريخ مكتوبا بصفاء , والحياة الاجتماعية مرسومة بشاعرية , وبلغة تجمع السيناريو الى الحوار , فتعطي للصورة المفردة او الجامعة مشهدية مكثفة بالحياة , تجعلها تبدو وكأنما تحدث الآن . وهو حين يتذكر , فيكاد يبدو وكأنما يمد نظره للبعيد , ثم تعود اليه تلك النظرة الطويلة المترامية , لترسم له , ولنا بانوراما كاملة , تحتشد فيها الصور والانطباعات والرؤى والمشاعر , الى الدرجة التي يشعر فيها قارىء الكتاب , وكأنه في مناخ افتراضي صنعته يد تقنية مبدعة لواقع حقيقي بكل تفاصيله الصغيرة والكبيرة . غير ان " العم راشد" , لا يعترف بأن ثمة شيئا صغيرا في التأريخ .. فكل حرف في وثيقة , هو لؤلؤة ثمينة , وكل نص مكتوب او مسجل او منقول , هو ثروة , وفي كل ملاحظة الف صورة , وفي كل صورة الف حقيقة , بعضها غيبته السياسة , وبعضها غيبه التاريخ المنحول , وبعضها طواه النسيان الظالم .. ولكن الزياني استبعد كل هذه العوامل ـ الطبيعية وغير الطبيعية ـ وجلى تلك الصور , بكل حقائقها , وكل ما فيها من نكهة وطعم ورائحة ...

إن كثيرا من ابناء هذا الجيل , وربما الجيل السابق , لم ينجحوا بعد في اكتشاف علاقتهم الروحية الخاصة , والشخصية , وتلك العلاقة الروحية الجمعية بالبحرين , غير ان راشد الزياني , يفعل ما فعله يوسف شاهين بمدينته الاسكندرية , وما فعله تشارلز ديكنز بمدينته لندن , وما فعله عبد الرحمن منيف بمدينته عمان , فهو يقدم لابناء هذا الجيل والجيل السابق واللاحق ايضا , فرصة تمنحهم النظر الى التاريخ المعاصر للبحرين " المدينة والمملكة " بوصفها فضاء كوزموبوليتي ضاعت منه بعض تفاصيله , ولكن بقيت فيه طلاوة المكان والزمان , وبهجة الحقيقة النظيفة , وبقيت فيه بيوتاته وعائلاته وذاكرته الوجدانية , والتفاصيل الاكثر نقاءا من تاريخه المرتبط بالحاضر على نحو وثيق وشفيف .. بل استطيع القول ان الزياني في كتابه " البحرين بين عهدين " يكشف عن مخزن وفير للابداع الادبي والدراما السينمائية , ينبغي ان يلتفت اليه مخرج عبقري , كأساس لدراما تاريخية ملحمية , للبحرين المعاصرة ..

الدكتور عبد اللطيف جاسم كانو .. أمين بيت القرآن




يحب كثير من الناس المخطوطات النادرة حبا جما, والدكتور عبد اللطيف كانو , واحد منهم . ولكن هذا الوّراق الذي يجمع بين العراقة والحداثة والذائقة الرفيعة في مكان واحد , وشخصية واحدة , يتجاوز حدود الحب الى تخوم الشغف . وهو يعبر عن هذا العشق العفي بتبجيل منقطع النظير , يمكن أن نعثر على بعض ملامحة في الصفة التي يحب أن ترافق اسمه على الدوام : أمين بيت القرآن ..

في كل البورتريهات, كنا نتوجه لرصد ملامح الشخصية التي نكتب عنها . ولكن هذا لا يمكن مع الكتابة عن الدكتور عبد اللطيف جاسم كانو . فالارتباط بين الرجل والصرح العظيم حميم وتاريخي وشفاف وعميق , الى الدرجة التي تحول دون فصل احدهما عن الآخر . وعلى الرغم من التخصص الاكاديمي والفكري الرفيع الذي يتمتع به الدكتور عبد اللطيف , والانشغالات العملية والفكرية المتعددة , فانه يمارس تفاصيل حياته حاملا لرسالة بيت القرآن ومبشرا بها حيثما حل واينما ارتحل . إننا بهذا الوصف لا نختزل شخصية الرجل في البيت , ولا شخصية الصرح بناسكه وفيلسوفه , ولكن نقارب بين اقنومين في واحد , وروح في كيانين ..

اما البيت والصرح الجليل الذي كان الدكتور أحد مؤسسيه , وصاحب فكرته , والمبشر الاول برسالته , فيمكن أن يدلك على اعمق تفاصيل شخصية امينه العام منقوشة على شغاف جدرانه وفي افياء قاعاته وأروقته .. فتشعر أن الكيانين الجليلين يتبادلان الافصاح كل منهما عن الآخر برفعة وسمو وعرفان مقيم مقيم ..

في محاضراته وأحاديثه التي يتحدث فيها الدكتور عبد اللطيف كانو عن بيت القرآن يردد دائما أنه يضم خمسة عناصر يكمل بعضها بعضا . وفي كل مرة سمعته او قرأته , كنت أضيف اليها عنصرا سادسا اصيلا وملهما يتجافى الدكتور الطيب عن ذكره تواضعا . على ذلك ؛ فبيت القرآن يشتمل تقريبا على نحو 6 آلاف مخطوطة من أندر المخطوطات العربية والإسلامية ، إضافة إلى حوالي 50 ألف مجلد من مختارات ما أنتجته المطابع العربية والأجنبية بمختلف اللغات..

وحين يبين هذه العناصر مبتدئا بمسجد عبد الرحمن جاسم كانو، وقاعة محمد بن خليفة آل خليفة للمؤتمرات والندوات، ومكتبة الفرقان الجامعة لما يتعلق بالقرآن الكريم، ومدرسة يوسف بن أحمد كانو لعلوم القرآن وتحفيظه، ثم متحف الحياة المكون من 10 قاعات واسعة، بينها قاعة مكة المكرمة للمخطوطات النادرة، وقاعة المدينة المنورة التي تشتمل على كنوز لا تقدر بثمن من المصاحف النادرة، وقاعة القدس الشريف , التي تحتوي كل ما هو نادر ولا مثيل له من تراثيات فنون الخط والكتابة والمقاييس العربية .. كنت اهمس لمن معي مستدركا : ثم العاشق الصب لكل هذه العناصر وما تحتويها : الدكتور عبد اللطيف كانو ..!

يعتبر الدكتور عبد اللطيف كانو ثاني ابرز علمين عربيين ـ الاول ناصر الخليلي ـ عرفهما العالم عبر مجموعتيهما الخاصتين من المصاحف النادرة والتي لا تقدر بثمن . ولكنه العربي الاول الذي تنازل عن مجموعته المتناهية القيمة من المصاحف والمخطوطات النادرة , وقدمها هدية الى مؤسسة ما .. ومع ان المؤسسة التي قدم لها الدكتور كانو هديته هي بيت القرآن , فان هذا لن يؤثر على مقدار ما في مبادرة الرجل من ايثار ونبل واريحية نادرة ..

واذا كان يفترض بهذه الهبة , ان تعطينا فكرة عن الرجل , فهي ولا شك تعطينا ايضا فكرة موازية عن البيت , الذي يعتبر الاول من نوعه في العصر العربي الحديث , والذي يعيد الى الاذهان تذكاراتنا المتخيلة عن " بيت الحكمة" الذي انشأه الخليفة العباسي ابو جعفر المصور في بغداد عام 786 , وعن "دار الحكمة" التي انشأها الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله في القاهرة .. فبيت القرآن ليس مجرد متحف , او بناء معماري اسلامي بشكله ومحتواه وهندسته فحسب . انه صرح تاريخي وثقافي وخزانة مخطوطات تحوي امهات من الكتب التراثية الخالدة , ومجمع فكري استقطب العديد من مفكري العالم الاسلامي الذين حجوا اليه من كل فج عميق ليشهدوا على ريادة هذا البيت , ويشاركوا في نشاطاته وندواته .. وبهذا المعنى فبيت القرآن , هو المكافىء البحريني للمكتبـة البريطانية بلندن والمكتبة الوطنية بباريس ومكتبة الفاتيكان بروما، ومكتبة شيستربتي بدبلـن , ومكتبة متحف استنبول بتركيا , ودار الكتب المصرية معا .. بل ربما يتقدم على كل هذه العناوين الخالدة من واقع كونه الدارة العالمية الاولى التي شيدت لتكون رمزا للمحافظة على القرآن الكريم عبر العصور. وبهذه الرمزية فالبيت لا يعتني بالحفظ المادي للقرآن , من خلال اقتناء المصاحف النادرة فقط , بل يعتني ايضا بالحفظ المعنوي للقرآن , من خلال مسجد عبد الرحمن كانو , و مدرسة يوسف بن احمد كانو لعلوم القرآن وتحفيظه ..

ولد ناسك بيت القرآن وفيلسوفه وامينه العام في 22 ديسمبر العام 1935 بالمنامة. حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة تكساس بالولايات المتحدة الأمريكية في العام 1970 . وحصل على الماجستير في الهندسة الإنشائية والمدنية من جامعة بتسبرج في ولاية بنسلفانيا بأمريكا ، و شغل منصب وكيل وزارة الإسكان والبلديات والبيئة ما بين العام 1975م وحتى سبتمبر العام 1996، وأصبح عضوا في مجلس الشورى البحريني في سبتمبر عام 1996 . ولعل نشأته في اسرة ارستقراطية ثرية , منحته ذائقة خاصة , قد يرى فيها البعض نوعا من الترف . غير ان الدكتور الذي تقاطعت اهتماماته الفكرية مع تخصصه الاكاديمي , وملكاته في البحث والدراسة , طور هذه الذائقة على نحو متماسك , ووظفها لاجتراح الفكرة التي انبثق عنها بيت القرآن , بما هو صرح حضاري بحريني المنشأ والصفة والوجود , اسلامي الهوية والجوهر .. كما كانت هذه الذائقة موئلا لفتوحات بحثية ودراسية انجزها الدكتور عبد اللطيف كانو , من مثل دراسته القيمة عن الارقام العربية ودلالاتها الحضارية , والتي اودعها كتابا يحمل عنوان :" الأرقام العربية نبع الحضارة الانسانية" , ومصفوفة أخرى من الكتب المتخصصة من مثل : " على خطى الرسول صلى الله عليه وسلم" ، " المنتخب من الفنون الإسلامية" ، " الرسائل النبوية الأولى ـ دعوة إلى الإسلام" .. وغيرها ، إضافة لاعتباره واحدا من ابرز خبراء المخطوطات على مستوى الوطن العربي , وربما العالم ..

وحتى تصل الى مشارف الشخصية التي جمعت كل هذه الفرادة , فلك ان تفكر بالعلامة محمود شاكر , ممزوجا بناصر الخليلي , مع شيء من الصاحب بن عباد , وبعض من ابن حزم الاندلسي , وعليهم نكهة من الاماراتي جمعة الماجد , واللبناني الشيخ ناصيف اليازجي , والاردني "الدكاترة" ناصر الدين الاسد .. انه رجل بنى سيرته مدفوعا بذائقته المرموقة , وملكته الرفيعة , وايمانه العميق , ودور ريادي اختاره لنفسه في الحياة , فاصبح مرادفا لاسمه وحيثيته وصفاته .. فكان بحق : امين بيت القرآن ..

عبد الحكيم الخياط ... قيادة شابة ببصمات إنسانية !



كرئيس تنفيذي لواحدة من اكبر المؤسسات المالية في البحرين ؛ يتمتع عبد الحكيم الخياط ، بمسلك خاص ، وخط إنساني فريد وشديد التميز : حازم لكنه مفعم باللطف ، ومتحمس ولكنه مع ذلك هادئ وبسيط ، ومطلع ولكنه يكره الاستعراض ، ودقيق ولكنه لا يمانع في معالجة عدة أمور دفعة واحدة ؛ أما مشاعره التي تبدو في الظاهر انطباعية ، فإنه وان كان لا يمانع في إظهارها ، إلا انه لا يسمح لها في النهاية بالتأثير على قراراته الإستراتيجية . إنها السجايا التي جعلت من عبد الحكيم الخياط ، جامعا لمواصفات الرئيس التنفيذي حسب المقاييس الغربية ، ومواصفات سيد الأعمال النابه حسب المتطلبات الشرقية العربية ، وهو امتزاج متعادل على نحو شفيف ودقيق للغاية جعل من هذا المدير الشاب رجل أعمال مهيب ، ولكن مهابته تكمن في بساطته ؛ وفي كونه قائدا إنسانا ، يتفاعل مع المحيط المجتمعي من حوله ببساطة وتلقائية ، ونوايا مفعمة بالعطاء والمشاركة ، في حين يعيش داخل مجموعة بيت التمويل الكويتي وكأنه خلق لإيصال هذه المجموعة إلى المراتب القياسية الأعلى بين شركات المنطقة .

كانت لدى عبد الحكيم يعقوب الخياط آمال ذات مرة بان يصبح بطلا في رياضة كرة السلة، وهو ما زال يعاود الحنين لتلك الآمال ، ولكنه يعرف كيف يعبر عنها باقتدار ، من موقعه كمدير تنفيذي لمؤسسة مالية كبرى تمتلك خطوطا لا تكاد تنتهي مع المجتمع ومختلف فعالياته ، ومنها الفعاليات الرياضية بالطبع ، والتي يعتبر " بيت التمويل الكويتي " واحدا من ابرز رعاتها والرافدين لها .. ومن آمال طفولية بأن يكون بطلا ، تحول عبد الحكيم الخياط الآن إلى صانع لبطولات واعدة ، فيما يستمر " بيت التمويل الكويتي " في خلق المقاييس الأكثر رفعة في مجال انخراط المؤسسات المالية والتجارية في خدمة المجتمع ومسيراته التنموية ..

إضافة إلى منصبه كرئيس تنفيذي لـ " بيت التمويل الكويتي " ، يرأس عبد الحكيم الخياط مجلس إدارة بيت التمويل الكويتي ـ الأردن ، كما يرأس مجلس إدارة شركة درة البحرين ، صاحبة اكبر مشروع إسكاني في المملكة ، ويرأس أيضا مجلس إدارة شركة مينا تليكوم المتخصصة في قطاع الاتصالات والتي حصلت على أول ترخيص بخدمة الاتصالات اللاسلكية في المملكة ، وهو صاحب فكرة وعراب اكبر مجمع تكنولوجي في المملكة ، أطلق عليه اسم (تكنولوجي بارك) ، ومن المقرر إنشاؤه بشراكة مرموقة مع " مجلس التنمية الاقتصادية " ليكون نقطة جذب واستقطاب للمشاريع التكنولوجية المتقدمة على المستويين المحلي والعالمي. ومن هنا فينظر لهذا الشاب على انه برهان حي على قدرة القيادات الشابة، ودورها الناجز في مسيرة التنمية البحرينية وفي تشكيل مستقبل المنطقة الاقتصادي..

ولد عبد الحكيم الخياط عام 1965 بمدينة المنامة؛ في عالم صغير، آمن، فخور، ومتطلع : شرنقة من الأعراف المنحوتة من محيط محافظ ، وسماء من الطموحات مفتوحة على المدى . في أوائل سني الدراسة كان عليه أن ينهمك في تحقيق حلمه الرياضي الشخصي العتيد ، بعد ذلك ، وحين انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة إدارة الأعمال والمحاسبة في جامعة تكساس ، وجد نفسه ينهمك شيئا فشيئا في قضايا أمته المصيرية ، وأدرك أن عليه أن يتخلى عن بعض أحلامه الشخصية في سبيل تحقيق الأحلام الأكثر جدوى لوطنه وأمته . هناك وفي جامعة تكساس التحق ببرنامج دبلوم الدراسات الشرق أوسطية . يقول: " كنت أريد أن اعرف كيف ينظر المستشرقين إلى العرب والإسلام، فانهمكت في قراءة كتب المستشرقين عن الإسلام والحضارة العربية إلى الدرجة التي كنت امضي معظم وقتي في المكتبة ". وفي ظل رفوف المكتبة التي كانت تضم أكثر من 60 ألف عنوان عن الحضارتين العربية والإسلامية بدأت شخصية عبد الحكيم الخياط بالتشكل الناجز والناضج معا من خلال خيوط يلتقي عندها الاقتصاد بالتاريخ وعلم المحاسبة بالفكر والدراسات المالية بفذلكات المستشرقين. ويبدو أن تلك الخطوط، هي التي ساهمت فيما بعد في تكريس عبد الحكيم الخياط باحثا ومفكرا صاحب رؤية في مجال البنوك الإسلامية، ورجل أعمال صاحب رؤية في مجال دور المؤسسات الخاصة في خدمة المجتمع ورفد المشاريع التنويرية الرسمية..

بعد ذلك وفي العام 1992 عمل عبد الحكيم الخياط لدى شركة " أرنست آند يونغ " العالمية ؛ وبقي في هذه الشركة التي كانت حلما من أحلامه العملية حتى انتقل للعمل في مجموعة بيت التمويل الكويتي، مكلفا من المجموعة بتأسيس " بيتك ـ البحرين " . لذلك يبدو من الواقعية والموضوعية أيضا القول بأن حضور عبد الحكيم الخياط في قصة تكوين " بيت التمويل الكويتي ـ البحرين " هو حضور تأسيسي، مركزي لا يدانى.. فقد منح للشركة هويتها, وصلابتها التكوينية ، وقدرتها الفائقة على التمدد عموديا وأفقيا ، وكذلك حصافتها الإدارية التي جعلت منها موئلا لاستقطاب رؤوس الأموال الاستثمارية ومن ثم تجييرها إلى مشروعات بحرينية وخليجية وعالمية عملاقة من مثل : إنشاء مشروع إسكان درة البحرين ، تأسيس شركة مينا تيليكوم ، شراء شركتين نيوزلنديتين عريقتين ضمن عمليات صندوقه الاستثماري ، هما : " كانتبري " وهي أقدم شركة في العالم لتصنيع ملابس وأدوات رياضة الريغبى ، وشركة " ريدياس هيلث غروب " المتخصصة في مجال خدمات الرعاية الصحية المتكاملة .

في قائمة النخب البحرينية والخليجية يعد عبد الحكيم يعقوب الخياط شخصا منيعا، فهو ذكي، وقوي ، وخبير بكل جوانب مهنته ودوره ومناصبه المرموقة العديدة ، وبصفته مديرا تنفيذيا لواحدة من اكبر المؤسسات المالية والاقتصادية البحرينية ، فان ما يحسب له حقا إضافة إلى سلسلة النجاحات الكبرى التي حققها للمؤسسة ومجموعة الشركات التي يرأس مجالس إدارتها ، انه استطاع أن يجتاز الهوة التقليدية التي تفصل في العادة بين نخب المال والأعمال وبين المواطنين العاديين . وهو يقول في هذا الصدد : " المدراء التنفيذيون العظام كانوا أصحاب قيم إنسانية كبرى قبل أن يكونوا أصحاب مبادئ وانجازات " . ومع ذلك فسجل الانجازات التي حققها عبد الحكيم الخياط رئيسا تنفيذيا لـ " بيت التمويل الكويتي " حافل ، وثر ، ومشتمل على أرقام قياسية بحرينية وخليجية . " لقد حقق بيت التمويل الكويتي ـ البحرين مكاسب كبيرة بعد الاستثمارات المهمة التي دخل فيها على مدى السنوات الثلاث الماضية ، وبها استطاع أن يعزز إمكانياته ويقدم تشكيلة أوسع من المنتجات والخدمات المالية المبتكرة والمربحة مما يعزز الصناعة المصرفية الإسلامية على نطاق إقليمي ودولي " . بهذه العبارة المكثفة للغاية لخص عبد الحكيم الخياط انجازات " بيتك ـ البحرين " خلال السنوات الثلاث الأولى من عمر الشركة . أما تحليل هذه العبارة الشديدة الكثافة فيتضمن سلسلة لا تكاد تنتهي من المنجزات، منها:

ـ إطلاق أول برنامج توجيهي خاص في المملكة لابتعاث الطلبة المتفوقين والقادة الشباب . وهو البرنامج الخاص الوحيد في المملكة الذي يساهم في دعم عملية تطوير الجيل القادم من القادة البحرينيين. ويتمثل الهدف الأساسي لهذا البرنامج في تمكين الطلبة من تطوير مسيرتهم وحماسهم ومهاراتهم القيادية لكي يتفوقوا في مجال الاقتصاد العالمي .

ـ دعم المبادرات الوطنية التي تساهم في تعزيز التفوق والمعرفة والابتكار ، سواء من خلال الشراكة مع الحاضنات الوطنية المعنية كبرنامج سمو ولي العهد لابتعاث الطلبة المتميزين، أو من خلال المبادرة بتأسيس حواضر الإبداع والتقانات العالية كمشروع الـ " تكنولوجي بارك " .

وفي مسيرة ما تزال مرشحة للمزيد من الصعود ، فان المحاسب والرئيس التنفيذي ، والمثقف الحاصل على دبلوم الدراسات الشرق أوسطية عبد الحكيم الخياط لا يحاول فقط أن يطاول إرثا وطنيا عريقا ومجالا نهضويا عارما بالانجاز والريادة ظل دائما مواكبا لاسم مملكة البحرين في مجال التجارة والمال والاقتصاد ، بل ينهمك في المشاركة بصناعة محيط اقتصادي بحريني إسلامي ملتزم ، ومحيط أعمال بنكية صديقة للمجتمع وصديقة للفئات الأقل حظا على نحو خاص . وهو اختصر ملامح هذا المحيط ومعطياته ومعضلاته في مجموعة ثرة وقيمة من البحوث والدراسات وأوراق العمل التي قدمها في عدد من المؤتمرات العربية والعالمية .

عبد الحكيم يعقوب الخياط متزوج من الدكتورة هناء الخياط ، وله من الأبناء : محمد ، مريم ، ومروة . انه واحد من ابرز عشرة قياديين شبابا في المملكة. والذين عملوا مع هذا المدير الشاب النابه يعرفونه بجديته، ولكنهم يعرفون أيضا بصماته الإنسانية التي يصر دائما على أن يوشح بها أدواره ومشروعاته وقراراته.. ! .. إن قدرته على "أنسنة" العمل المصرفي لا يضاهيها سوى قدرته على " أسلمة " أعمال البنوك والتبشير باقتصاد إسلامي متكامل وقادر على المنافسة العالمية .. إنها طريقة عبد الحكيم الخياط للرد على ما قرأه من نتاجات المستشرقين الغربيين عن العرب والإسلام ، وهي طريقته في الانخراط بمسيرة التنمية البحرينية .