السبت، 12 يوليو 2008

محمد المطوع.. الوزير.. المستشار.. السوبر


الوزارة... كلمة تقع في اللغة في موضع محيّر وخطير.. بين الوزر في جهة , والمؤازرة والأزر في جهة أخرى .. وثمة في التاريخ السياسي البشري, وزراء جسدوا الأولى بكل شططها وتبعاتها, فكانوا وزرا على الأوطان والشعوب والسلاطين.. وثمة في نفس التاريخ, وزراء استحقوا شرف الثانية, بما هي استحقاق للتخوم التي يتطاول إليها دعاء سيدنا موسى الخالد لربه أن يهب له وزيرا يشدد به أزره..

وفي التاريخ السياسي البحريني الحديث , نعثر على وزيرين تحققت فيهما الوزارة , بما هي إمعان بالمؤازرة , وشغف لا ينتهي بشد الأزر, ونأي دائم عن المساحات التي تتخلق فيها الأوزار : الأول , هو المرحوم السيد محمود العلوي الذي كان مستشارا وزيرا , والثاني محمد المطوع الذي يمكن أن يقال عنه وزيرا مستشارا ..

وإذا كان "ويسلر" هو أول من نظر إلى وجود "دائرة ثقافية" تقوم عليها حضارة المجتمع , فان الوزير المستشار محمد المطوع , ربما يكون أول وزير عربي يرسي "دائرة ثقافية" تقوم عليها سياسة الحكومة . فخريج الفلسفة, الذي يصفه مجايلوه في جامعة الإسكندرية , بأنه كان شغوفا بالقراءة , والبحث , وتشكيل ثقافة مرموقة رفيعة , استطاع أن يكوّن نموذجه الخاص لمفهوم الوزير الموسوعي .. غير أن نموذج المطوع بين الوزراء, لم يتأسس في الواقع على هذه الخاصية فحسب. فثمة إجماع بين مختلف النخب البحرينية , على أن ملكات الرجل السياسية والإدارية , ما كان لها أن تبرز على هذا النحو الرفيع , لولا أنها تغذت مباشرة من الدائرة المحيطة بصاحب السمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء ..

في أكثر من تحليل ومقاربة لبعض الشؤون السياسية البحرينية, وصفنا محمد المطوع عندما كان وزيرا لشئون مجلس الوزراء, بأنه " الوزير السوبر".. وهو وان كان أخلى تلك الحقيبة لزميل آخر, فانه ما يزال الوزير السوبر.. وان كان الآن لا يحمل حقيبة وزارية محددة , فان موقعه ككبير لمستشاري سمو رئيس الوزراء , يضع بين يديه مفاتيح الكثير من الحقائب الوزارية ..

وإذا كانت الوزارة كما يقول الماوردي على ضربين : وزارة تفويض ووزارة تنفيذ .. فان المستشار محمد المطوع, هو المفوض الأبرز بين " رجال الرئيس ".. وهي مكانة تختزن بالتأكيد ألوانا من الكفاءات المتعددة, والملكات الرفيعة, والثقافة الموسوعية, وحسن التدبير, والإخلاص في العمل, والشغف في التعاطي مع الملفات الأكثر تعقيدا, وفك أقفالها, وحل ألغازها.. وقبل كل ذلك وبعده الولاء المطلق لـ " طويل العمر "..

يقول الثعالبي في (التواقيت) : الوزارة اسم جامع للمجد والشرف والمروءة .. وحُكي أن الخليفة المأمون العباسي كتب في اختيار وزير له: (إني التمس لأموري رجلا جامعا لخصال الخير , ذا عفة في علاقته , واستقامة في طرائقه , له صولة الأمراء , وأناة الحكماء , وتواضع العلماء , وفهم الفقهاء). وبين مجد الصحبة اللصيقة بـ " طويل العمر" , وشرف الخدمة , ومروءة الأداء , يمكن أن نعثر على كثير من خصال الرجل , الذي اصطفاه خليفة بن سلمان , على ذات المقاييس التي تمناها المأمون في وزيره ..

يمثل محمد المطوع جيلا من رجال التكنوقراط , الذين تلقوا مبادئ السياسة والإدارة في مدرسة عميد النهضة البحرينية .. وهو وان كانت تغلب عليه سمة "الارستقراطية الفكرية" , كما ظهر في بعض سجالاته مع النواب إبان كان ممسكا بمفاتيح حقيبة الوزارة , إلا انه من جيل الموظفين الذين جمعوا إلى العصامية , حسا نقديا فلسفيا عاليا , لا يؤمن بصحة أي فكرة , إلا بعد أن توضع على محك الغربلة، والنقد، والتمحيص. انه الحس الذي اعتبره "كانط " و" ميشيل فوكو"، و" ليفي ستراوس " , من ألزم لوازم رجل الدولة .. ونظنه الحس الذي اكتشفه سمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء عند الرجل , فاختاره لما اختاره إليه ..

من موظف في وزارة العمل والشئون الاجتماعية في بداية السبعينيات , صعد محمد المطوع سلم المناصب والمسؤوليات , ليرتقي مقعد مدير مكتب سمو رئيس الوزراء عام 1977 . ومن على هذا المقعد الركين الذي تشكلت عليه شخصية الرجل بطرازها البروتوكولي الرفيع , تسلم المطوع مفاتيح وزارة شئون مجلس الوزراء , جامعا إليها حقيبة الإعلام فترة من الوقت , ولتبقى هذه الوزارة ـ شئون مجلس الوزراء ـ رديفة لاسمه في كل التشكيلات والتعديلات الحكومية , حتى التعديل الذي جرى في بداية عام 2005 , حيث عين مستشارا ثقافيا لسمو رئيس الوزراء بدرجة وزير ..

حافظ محمد المطوع في البداية على دور غير مرئي في الهيكل الحكومي, حتى وهو يحمل حقيبة الإعلام, التي تستلزم منه ظهورا يفوق ظهور زملائه الوزراء.. ويؤكد العارفون بما وراء الكواليس الحكومية , انه عندما تحول إلى وزير مرئي , فانه حافظ على إظهار جزء يسير فقط من دوره الحقيقي ..

وفي العودة إلى التشكيل الأكاديمي لشخصية الرجل, نجد انه تخرج من جامعة الإسكندرية ـ قسم الفلسفة وعلم الاجتماع, في العام 1970.. ولعلنا نمسك هنا , على أول مفاتيح "الارستقراطية الفكرية" عند المطوع , كما تبرز في القاموس اللغوي الرفيع , الذي يتيح له التصرف بملكة النقد , التي عبر عنها مبكرا , ووظفها في السياسة .. ومثلما قرأ محمد المطوع في الفلسفة أن مفهوم الدولة الحديثة يعني عقلنة السياسة , فانه صاغ مفهوما مماثلا للوزارة الحديثة يتأسس على عقلنة الإدارة .. فكانت تلك مهنته ووظيفته .. وربما رسالته أيضا.. فكان بلا منازع من أكثر الرسميين مقدرة على صياغة آرائه وإخراجها على نحو تبدو معه وكأنها الحقيقة المجردة والأخيرة والتي ينبغي أن يصل إليها أولئك العاطفيون المنساقون وراء الخطاب واللغة القديمة.
لقد لخص الرئيس ترومان تجربته عندما كان كبيرا لموظفي البيت الأبيض قائلاً : " إنني اجلس هنا طوال النهار محاولا إقناع الوزراء وكبار السياسيين بعمل تلك الأشياء التي كان يجب أن يكون عندهم ما يكفي من الإحساس للقيام بها من تلقاء أنفسهم وبدون حث من جانبي " .. وهكذا كانت وظيفة محمد المطوع على مدى عقد ونصف من الزمن .. وما تزال .

ليست هناك تعليقات: