الجمعة، 11 يوليو 2008

خليفة الظهراني .. نائبا وانسانا



" مما رواه ابن ماجه عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس , قال ازهد في الدنيا يحبك الله , وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس . "

لا أعرف خليفة أو سلطانا قال شعرا في مدح رجل من العامة سوى ما قاله الخليفة العباسي ابو جعفر المنصور في العالم والمحدث المشهور عمرو بن عبيد : كلكم يدنو رويدا .. كلكم يطلب صيدا .. غير عمرو بن عبيد ..

وأنا شخصيا كلما قرأت هذه الابيات ، وهي متوفرة بكثرة في كتب التاريخ والادب العربي ، كلما تمثلت امامي شخصية خليفة الظهراني رئيس مجلس النواب ؛ ورجل الدولة الذي يستقطب احترامه اجماعا قد لا تحظى بمثيله اية شخصية سياسية بحرينية أخرى ..

إن التصرف بأسمى معيار ممكن لأي رجل سياسي قط ، من اللباقة والتواضع وإنكار الذات من اجل مراعاة شعور الآخرين ومقاربة قضايا الوطن بحكمة وحصافة ، هي صفات طبعت شخصية هذا النائب المخضرم ، والتشريعي العريق ، والسياسي الشعبوي ، الذي لا يختلف اثنان على أنه رجل دولة مرموق محليا وخليجيا وعربيا .. ولا يكاد احد يقترب من شخصية الظهراني ، إلا وانتهى الأمر به مسحورا بشخصية هذا الرجل الودود، والنائب المفعم بالسمو ، والسياسي المسكون بالكرامة ..

يتميز خليفة الظهراني بخط سياسي حصيف جدا . وربما هو الوحيد بين نواب الامة الذي حافظ على خطه هذا موسوما دائما بالرفق . الرفق الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه لا يكون في شيء إلا زانه ، ولا ينزع من شيء إلا شانه . ومشهديات الظهراني النيابية في غالبيتها ، تتحالف لاظهار هذا الخط المميز من العمل والسجايا والصفات والاهتمامات .. فهو يستخدم الرفق وسيلة لحل المعضلات السياسية ، ويستعين بالرفق لمعالجة المشكلات النيابية ، ويواجه خصومه ـ على قلتهم ـ بالرفق ، ويداعب النواب من على منصة رئاسة المجلس النيابي برفق ، ويعاتب بعضهم برفق ، ويوشح مطالباته النيابية بعباءة الرفق ، ويرفض برفق .. وربما كان التعامل الوحيد الذي لا يمارسه خليفة الظهراني بالرفق هو تعامله مع نفسه .. ومع صحته .

حدثني الصديق الدكتور عبدالرحمن بوعلي قبل ايام ، انه كان في زيارة لخليفة الظهراني ، للتباحث معه في مجموعة مسائل عامة ، فوجده مرهقا يكابر تعبه ، ومدنفا يتعالى فوق مرضه ، وضائقا يداري ضيقه من بعض احوال النواب ومناكفات بعضهم .. فقال له الدكتور عبدالرحمن باعتباره خبيرا في الصحة : أرفق بنفسك قليلا ، فلجسدك عليك حقا ، ولنفسك عليك حقا . فأجابه الشيخ الجليل : هذا عندما لا احمل ما احمل من مسئولية ؛ اما وانا احمل امانة هذا العمل ، فبعض الرفق في النفس يصبح تهاونا .. وهذا ما لا اريده لوطني ولا اقبله لنفسي .

والظهراني ، رجل دولة عجنت عريكته بمؤثرات متناقضة، وذات مفاهيم متعارضة أحيانا، إلا أن نقاء سريرته ورفعة نفسه، كانت تجعله يميل باتجاه المثل العليا ، ويختار الانحياز دائما إلى الجانب الذي فيه مصلحة الشعب ، من دون مساس بهيبة الدولة ، او تهاون بهيبة المجلس . هذا الالتزام بهذا الخط الدقيق والرفيق في نفس الوقت ، جلب للنائب الحصيف عقلا وقلبا وممارسة ، بعضا من عدم تفهم الآخرين احيانا ، وبعضا من قصور ادراكهم عن التطاول الى مقاصده ؛ فقيل عنه احيانا انه يراوح مكانه " على الاعراف " بين الجنة والنار ، ووصف بأنه يحافظ على التمسك بمكان " برزخي " ، بين بين .. غير ان المشهديات التي خاض فيها صراعا ضد الاستقطاب والتطرف ، كانت دائما تنتهي الى اعتراف الجميع بحصافة الرجل ، وبعد نظره ، وخبرته الجوهرية في عدم استخدام العصا محل الكلمة ، وعدم استخدام السيف محل العصا ، والترفع دائما عن الضغائن او الإحن التي تلوث أداء السياسي ، وتشظي ممارسة النائب ، وتشين موقف الرئيس العادل .. وهنا، أيضا، نمسك بحقيقة الاستثنائية في شخصية خليفة الظهراني النيابية ، فهو ليس مشدودا بطبعه، إلى الظهور في بؤرة الاحداث والسجالات التي تستتبع اضاءات إعلامية. وهو كنائب شعبوي تميز في كل الانتخابات النيابية التي خاضها بحصد الاصوات بجدارة ، انفرد بين مجايليه من النواب ، بزهده في الهالات الإعلامية والترويجية ، التي يراها معظم النواب لازمة لتأطير صورهم ..

واذا كان لا بد للسياسي البارع من دالـّة ، فللظهراني دالتين : الاولى دالته عند القيادة ، وعند النواب ورجال السياسة .. والثانية التي من باب ان الحكمة دالـّة المؤمن ، أنى وجدها فهو أحق بها ..
وسواء من موقع دوره نائبا مخضرما ، مارس النيابتين : النيابة في عهد الدولة ، والنيابة في عهد المملكة ، او من موقع عضويته الراتبة في مجالس الشورى السابقة ، فقد تميز الظهراني دائما ، بشخصية ثرة ، غنية ومعطاءة ، مشبعة بالوطن ، ومسكونة بمصلحة المواطن . وفي المجال الذي يلعب فيه الآن : رئيسا لمجلس النواب ، فمن العدالة التي لا تحتمل الجدل او السجال أن ينظر لخليفة الظهراني ، باعتباره الرجل الذي كمنت أفكاره وانجازاته واساليبه وراء إعادة إنتاج مقاييس محلية خاصة لأصولية العمل البرلماني . وكان دوره الحاسم في هذا المجال في انه وفـّر حسا أساسيا للاستمرارية في مجلسين غلبت عليهما المناكفة والمشاكسة ، وأرسى قواعد ما يمكن ان يوصف بالعمل النيابي الهادىء والرزين . وبفضل سياسة الحكمة التي حافظ عليها ، والتجانس الحميم الذي قربه من قلوب الجميع : تحت القبة ، او في قمة القيادة ؛ وما يحظى به من اجلال شعبي ، فان الظهراني سيبقى دعامة للديمقراطية البحرينية الرفيقة بالآخرين .. وغير الرفيقة بنفسها ..!