الجمعة، 11 يوليو 2008

الشيخ عبد الله بن خالد آل خليفة.. شيخ المخضرمين


عندما يلتقي الشيخ عبد الله بن خالد آل خليفة, مع أبنائه وأحفاده وانسبائه على عشاء "عائلي".. فان اللقاء يكاد يكون اجتماعا لمجلس وزراء..!!

وإذا كان يقال عن فاطمة بنت عبد الملك بن مروان أنها "شجرة الخلفاء" , لأنها بنت الخليفة ابن الخليفة , وأخت الخليفة , وزوجة الخليفة , وعمة الخليفة .. فان الشيخ عبد الله بن خالد آل خليفة, هو " شجرة الوزارة", فهو الوزير, ابن الوزير, أبو الوزراء, وعم الوزراء..
وبهذه الحيثية؛ وبالتقاء رجل الدولة مع رجل القلم.. فإن الشيخ عبد الله بن خالد آل خليفة , يمتلك الوجاهتين : وجاهة السياسة .. ووجاهة القلم..!

يرى أبو الحسن الأخفش أن الخضرمة هي التناهي في الكثرة والسعة .. ومنها سمي الرجل الذي شهد عصرين: مخضرماً، وكأنه استوفى ميزات العصرين وثقافتيهما.. واذا كانت هذه الكلمة الصّفة تليق بأحد من رجالات البحرين اليوم , فإن الشيخ عبد الله بن خالد هو شيخ المخضرمين وعميدهم . فالرجل عاصر على امتداد تاريخ البحرين السياسي: حاكمين, وأميرا, وملكا.. والرجل عاصر حروب القرن العشرين التي أعادت تشكيل الكرة الأرضية ، فاختبر العالم في عهد الامبريالية الاستعمارية ، وفي مرحلة القوتين الأعظم ، ثم في مرحلة القوة الواحدة ..

ولد الشيخ عبد الله بن خالد عام 1922 فوقف مع البحرين وهي تطل على مشارف القرن العشرين, وخالطها وهي تعيش كل لحظاتها التاريخية منذ ذلك الوقت وحتى الآن.. فكان ـ أمد الله في عمره ـ نخلتها التي غرست جذورها في العمق السرمدي لتاريخها , وصار لاتصاله الحميم بهذا التاريخ , الذي عاشه والذي قرأه , والذي كشف عن مخبوئه , والذي وثـّقه , الشاهد الصدوق على عصورها وعهودها .. ولما يزل كالعنقاء يطاول الزمن , مولعا بآثاره , ومنقبا عن مأثوراته , ومضفيا عليه من مآثره ..

الذين يقتربون من الشيخ عبد الله بن خالد, يدركون كم لا يزال هذا العالم الوقور الجليل في مقتبل العمر..! وكم لا يزال قلبه يانعا اخضرا , وكم لا تزال ذاكرته كعطائه , يمر عليهما الزمن فلا يزيدهما إلا تعتقا وثراء وتدفقا ..

هو مؤرخ عتيق .. بل شيخ المؤرخين وعمادهم , وعمدة الموثقين وإمامهم , وعلم القضاة وأميرهم , وعميد الوزراء وأبوهم وعمهم .. وهو بين هؤلاء كلهم ؛ الجليل عطاء والوفير قدرا و العلي مكانة , على تواضع لا تلقاه إلا عند أساطين العلماء , وأريحية لا تفوز بها إلا عند ملوك الرجال ..

وشيخنا بعد كل هذا وذاك , من جيل الرواد المؤسسين , ومن رجالات الدولة الأفذاذ العصاميين : دخل الحياة العامة سنة 1951 , قاضيا في محاكم البحرين .. ومنذ هذه اللحظة الدهرية , انطلق يؤسس لأركان الثقافة والتدوين في البحرين , جامعا بين ريادة المبادرة, وريادة التكليف . فبحفنة من الكتب , بادر إلى تأسيس أول مكتبة عامة في البحرين , عام 1954 , هي المكتبة الخليفية .. وبمقدرات تتعدى الملايين , وطموح يجاوز الـ 250 ألف كتاب , بادر مسنودا بالرغبة والتكليف الساميين إلى تأسيس مكتبة عيسى بن سلمان , التي أعلن عنها عام 2000 .. وبين هذين التاريخين المتطرفين في الظروف والمقدرات والإمكانيات والوسائل , حافظ الشيخ عبد الله بن خالد على أحقية الشهادة على العصر أولا , وعلى تلك العلاقة الشفيفة بالكتب والمخطوطات والآثار والمأثورات ثانيا , وأنصف شهادته على العصر , وعشقه الشفيف للآثار والكتب والتاريخ , عندما عهد إليه جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عام 1978 بتأسيس ورئاسة مركز الوثائق التاريخية , الذي استوعب حتى الآن أكثر من 60 ألف وثيقة عن تاريخ البحرين ..!

ومن الوثائق والتأريخ , إلى الميثاق بما هو عروة وثقى بين الشعب والقائد , وحركة مدية من حركات التاريخ البحريني البهي , يبادر الشيخ الجليل إلى رئاسة لجنة الميثاق مكلفا من سيد العهد , فيختزل شهادته كلها على العهود والعقود , بتلك الوثيقة الخالدة على مر الأزمان : ميثاق العمل الوطني ..

كل هذا العطاء, ولما نزل بعد على التخوم الأولى لشخصية الشيخ.. فثمة في السجل الكثير , وثمة في الجعبة ما تفيض به الكتب , فكيف بمقالة محدودة الكلمات والمساحة ..

في عام 1962 بادر إلى تأسيس بلدية الرفاع , وشغل رئاستها حتى عام 967 , حيث ارتضاه سمو الشيخ خليفة بن سلمان , خليفة له على رئاسة بلدية المنامة .., فجمع الرياستين : رئاسة بلدية العاصمة , و معها رئاسة أول مجلس للتخطيط والتنسيق أنشئ عام 1969. وفي عام 1971 , كان ضمن التشكيل الأول , للحكومة البحرينية الأولى , حيث شغل وزارة الزراعة والبلديات .. ثم في الحكومة الثانية وزيرا للعدل والشئون الإسلامية , ووزيرا للتجارة والزراعة بالوكالة , ليحمل لقب "ذي الوزارتين" بعد أن حمل لقب "ذي الرياستين" .. ثم بعد ذلك وزيرا للعدل والشئون الإسلامية , ووزيرا للشئون الإسلامية , عندما انفصلت عنها حقيبة العدل .. ولكنه هنا , جمع إلى الوزارة منصب نائب رئيس مجلس الوزراء .. فبقيت جعبة الألقاب والمناصب مترعة بالتعدد والتنوع .. إلى أن حمل أمانة رئاسة المجلس الإسلامي الأعلى التي يشغلها حاليا ..
غير أن الرجل لم يكن عبر حياته العملية والوظيفية يبحث عن دور.. فالأدوار هي كانت تبحث عنه دائما. ولعله شاء لهاجس البحث عنده أن يبقى خالصا للكتب والوثائق والتاريخ .. فكان إضافة لاهتمامه باقتناء الكتب والمخطوطات, شغوفا بالإبحار في غمارها, تواقا لتجسيدها مرة أخرى في كتب ومؤلفات من صوغ قلمه, فأضاف للمكتبة التاريخية البحرينية كتابه السفر "البحرين عبر التاريخ", وللمكتبة الفكرية والإسلامية كتابه " رؤى إسلامية من وحي القرآن".. فجمع بذلك أيضا , رياستي الفكر والسياسة ..

انه عالم حاشد بالأدوار والمناصب والانجازات .. وكون يمشي على الأرض, حافل بالمكنون والمضنون, والذاكرة التي لا تخون..

في بورترية آخر , قلنا, إننا لو تمنينا الاقتراب من ذاكرة رجل , لكانت ذاكرة الوزير المستشار جواد العريض هي الذاكرة الثانية التي نتمنى امتلاك مفتاحها .. والآن نقول أن الذاكرة الأولى التي نتوق للاقتراب منها هي ذاكرة الشيخ عبد الله بن خالد آل خليفة.. أطال الله عمره , وأمد في اخضرار قلبه ..

ليست هناك تعليقات: