الثلاثاء، 15 يوليو 2008

السلام عليك أيها المليك


السلام عليك أيها الملك..
السلام عليك.. وعلى يوم جلوسكم البهي، إذ يسافر في وجدان شعبك الوفي، وشما أصيلا، لا ينمحي، وفي تاريخ أمتك، نقشا من بهاء، وفي قصائد الشعراء بحر أمجاد، لم تتطاول إليه بحور الشعر من قبل..

السلام عليك.. أيها الملك المطوق بالجلال والرفعة والعطاء، وعلى شعبك الذي هو في قلبك مآل للوعد، وأنت في قلوبه مصدر للأمل.. فليس مثلك من ارتاد الإصلاح، وأحيا التاريخ، وكرس الحقوق، وليس مثلك من نهض بأعباء القيادة مطلقا في سماء البحرين ضوءها الأول ، وإصلاحها الأعظم ، وميثاقها الأنصع ، وليس مثلك من وقف حياته كلها في خدمة أمته، فأنعش في الذات الوطنية أنبل قيمها ، واصدق انتماءاتها ، وأكرم عطاءاتها .

والسلام عليك ، وأنت تسجل في صفحات الملوك ما يطوق ضلوع الأمة بوشاح المجد ، وسماءها بمطر المكارم ، وينثر في أرضها بذور العطاء ، فتهمي على أرواحها بالسكينة ، وعلى حاضرها بالانجاز ، وعلى مستقبلها بالوعد الأجلى من الحق ..

هو ذا عيد جلوسك ؛ يأتي من جديد : تزفه المكرمات التي ما تفتأ تنبثق من بين يديك مطرا يهمي على أرواح شعبك ، وتحفّه الأمنيات التي ما أن تدخل إلى مشارف مقامكم حتى تتحول إلى حقائق ساطعة ، وانجازات رائعة . وهو ذا عيد البحرين بك ، يعود مفعما بالآمال الكبرى التي تزرعها وعودك ؛ من أول الكبرياء في المحرق إلى آخر الفروسية في الرفاع ، ومن أول الفتح في المنامة ، إلى آخر الحماس في سترة ، ومن شموخ القصيدة في المحافظة الجنوبية ، إلى صلوات المساجد والمآتم في المحافظة الشمالية ، ومن بخور تراب الرفاع ، إلى أشواق عين عذاري ..

وهو ذا العيد السابع لانبثاق عرشك السامي في قلوب شعبك ، وثمة شيب غافل السنوات وغزا مفرقيك ، فزادك شبابا واكتسى وقارا من وقارك وجلالا من جلالك ، وثمة قلب في قلبك إتسع حتى صار بحجم وطن كامل..

السلام عليك أيها الملك ؛ يا قامة أعلى من الكتابة ، ويا غيثا أكرم من المطر ، ويا صدر الوطن الممتد من حدود النخيل إلى حدود الغيم والسحاب ..

يا صاحب الجلالة ، يا نسغ الكرامة الممتد من رسالة المنذر بن ساوى التميمي ، إلى راية احمد الفاتح ، ومن قصائد ابن هذال (1) ، إلى دستور عيسى بن سلمان ، ومن " افلاج ليلى " (2) إلى بيت الجسرة ..

يا نسل الكرام الذين قال شاعرهم:
لمن المضارب في ظلال الوادي رَيّا الرحاب تغص بالوُرّاد
الله اكــبر تلك امة يعــــــــــــرب نَفَرت من الافلاج والانجاد (3)
طوت المراحـلَ والأسنة ُشــُرّع ٌ والبيضُ متلعة ٌمن الأغماد
ومشـــت تدك البغي مشية واثق بالله ، والتاريخ ، والأمجاد

هو ذا أنت يا سيدي : المليك الذي في ضمير شعبه روح وهاجة، وعقيدة راسخة، ووطن معنوي، وجوهر ولاء أصيل، وقوة وجدانية هائلة، ومشعل وطني يهدي إلى سواء السبيل ؛ تعبيرك نابع من ضميرك، وظاهرك منسجم مع جوهرك، وقلبك متصالح مع عقلك، وموقفك مبني على قناعتك، وفعلك محكوم بمصلحة وطنك، وقراراتك نابضة بشجاعة الاختيار ، وعظمة الاقتدار، ونقاء الموقف ، وسمو المفاهيم ، وشمولية الرؤية ..

وهو ذا شعبك يلتف حولك، فيطلع التاريخ، ويصحو الكبرياء، ويستيقظ الحلم، ويبتسم الزمان.. وهو ذا شعبك يقف إلى ظل رايتك، قامته هامة نخيل، وصوته نداء مؤذن، وهتافه تكبيرة صلاة، ومبايعته تعويذة دم، وعروة وحدته ميثاقه الخالد، فلا إقليمية ولا طائفية ولا فئوية ولا مذهبية تتقدم على التزامه الوطني.

كان الشعب يتشوقك لتقيم ميزانه، فبايعتك القلوب والضمائر لتباشر قيادة هذا البلد إلى فضاءات الديمقراطية والحرية والأيام الأجمل . وحين بزغ فجرك، وطلع نجمك، فجّرت فيهم ثقافة المصالحة، وأدبيات الديمقراطية، وأبجديات الحرية، ومفاهيم الحقوق، وشموخ المسئولية، وروح التحدي، وإرادة الاقتدار..

فاستقبلتك المعاني الجميلة، وسارت بذكرك الركبان، وزهت باسمك الحروف، وحَنّت إليك القوافي، وحَجّت إليك البلاغة ، وتغنت بانجازاتك الأقلام الطاهرة، والقرائح النقية ، وشمخت بك الكتابة ، ووقف المجد في حضرتك خاشعا ومبايعا لك قائدا يدق أبواب المستقبل، وزعيما ينعقد له الأمل ويعلو به الرجاء .. فللقيادة أسرارها التي لا تودعها إلا للمختارين، وأشواقها التي لا تمنحها إلا للملهمين، ومسؤولياتها التي لا تعهد بها إلا للفرسان، ورسالتها التي لا تكشف عنها إلا لأولي العزم الذي يطاول السماء ، والمسكونين بتراث المؤسسين العظام ، والقابضين على جمر العزة والكرامة . فكنت أنت القائد والرائد والإنسان.. لا يمتطي خيلك المشككون ، ولا يهزج برايتك الأدعياء ، ولا يحدو بركابك إلا الانقياء ..

وكنت الذي علمنا ـ شعبك والمقيمين في ظل رايتك ـ كيف الموقف يأخذ شكل السيف، ودفقة القلم، ورسوخ الحق، وبهجة الانتصار. وكنت الذي علمنا كيف يكون الصبر مهيبا مثل الصلاة، وكيف يكون العفو ساطعا كالفجر والليالي العشر..

فسلام عليك: صدرك من نقاء سماء البحرين، وقامتك من نخيلها، وعيناك عاصمتا فروسية وانتصار، وعهدك ينهض الروح من سكونها، والانتظار من غفوته، والوعد من غمده، والعهد من نبوءته.. وأنت الشجاعة في زمن الخوف ، والتواضع في زمن الصلف ، والعطاء في زمن الرمادة ، والصوت الأجلى في زمن السكوت ، والإقدام في زمن التخاذل ..

وسلام عليك وأنت تؤذن بزمان بحريني جديد لا مكان فيه للأحلام المريضة ، ولا موقع فيه للصغار والمتخاذلين . انه زمنك ـ سيدي ـ؛ زمن الحق والعطاء والرسالة، زمن فجر البحرين وضحاها، وزمن الصعود إلى الذرى وما تلاها..

وسلام عليك : خشوعا في صلاة الشيوخ ، وبهجة في عيون الأطفال ، وشموخا في عنفوان الشباب ، وأغنية على ظفائر النساء .. وسلام على البحرين إذ تصعد بك ومعك إلى ذرى المعرفة والقدرة والكبرياء..

وسلام على لونك الذي من صفاء عيسى بن سلمان ، ووقفتك التي من شموخ سلمان بن حمد ، وريادتك التي من حكمة عيسى بن علي ، ورايتك البقية العتيدة من بيارق احمد الفاتح .. سلام عليهم في الخالدين الأبرار، وسلام عليك في الملوك الأخيار.. وكل عام وأنت بخير ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1 ) ابن هذال : شيخ مشايخ عنزة ، التي منها العتوب . وتعتبر قصائد ابن هذال ملاحم تاريخية روت مسيرة تحالف العتوب وهجرتهم . ( 2 ) ، ( 3 ) أفلاج ليلى : الافلاج جمع فلج ، وهو النهر الصغير الجاري . وكانت افلاج ليلى من مناطق إقامة العتوب .