الجمعة، 11 يوليو 2008

سمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة ‮.. ‬حارس المستقبل


" بينما واصل الشيخ حمد بن عيسى تحديث البلاد , اصبح الشيخ سلمان بن حمد , القوة الاساسية المحركة لعملية التغيير السريعة في البحرين .."
بهذه العبارة استفتح الكاتب البريطاني ويتر كروفت , وصفه لطبيعة الدور الذي كان يلعبه الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة , ابان ولايته لعهد والده المغفور له الشيخ حمد بن عيسى الكبير , حاكم البحرين (1932 ـ 1942 ) وهو وصف ينطبق بالتمام والكمال والجوهر , على الدور الطليعي الذي يتصدى له حاليا سمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد القائد العام لقوة دفاع البحرين , في مسيرة التحديث والتطوير والاصلاح التي يقودها جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة : انه وحسب كثير من الشواهد , القوة الاساسية المحركة لعملية التغيير والتحديث .. والمستشار الاقرب الى الملك , وهو الذي دائما يوجد في المكتب عندما يتخذ الملك القرارات الصعبة..


جمع سمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة بين الدراسة الأكاديمية العليا، والنشأة العسكرية . فمن خلال منصبه المبكر وكيلاً لوزارة الدفاع ، اقترب حثيثاً من نفس المناخات التي شهدت النشأة الأولى لوالده جلالة الملك حمد، فعرف ميادين التدريب العسكري، وخاض غمار القيادة مبكراً. واستقطب شعبية عارمة في صفوف الشعب البحريني بمختلف فئاته، إذ اعتبر منذ فترة مبكرة للغاية معبراً حقيقياً عن آمال وطموحات جيل الشباب في البحرين، وحارساً لمستقبل البحرين القادم. وفي نفس الوقت فإن سموه كان في مختلف مفاصل عمله وأدواره وما يتصدى له من معضلات وقضايا، يبني سجلاً متماسكاً من العمل الجاد، والشخصية القيادية الكاريزمية، والتواضع، والدفاع عن حقوق الفقراء والفئات الأقل حظاً في البلاد.

إن ولاية العهد منصب . ولكن الشغف بالعمل الوطني دفع سمو الشيخ سلمان إلى تحويلها لمهنة .. وفي الأنظمة الملكية، يمكن لولاية العهد أن تعني كل شيء، أو لاشيء.. غير أن سمو الشيخ سلمان، استطاع النأي بنفسه ودوره كثيراً عن هذين الطرفين الحرجين، وأعطى لنفسه ولدوره صفة أخرى، أكثر جوهرية وأعمق تأثيراً وحضوراً، وهكذا كان وما زال يفعل في كل المناصب والمسئوليات التي تقلدها عبر مسيرة حافلة ، فمن خلال موقع سموه رئيساً لمجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث، عبر سمو الشيخ سلمان عن اهتمام حثيث بقضايا المجتمع والتنمية البشرية. وفي نفس الوقت فقد أتاح له هذا الموقع دراية كبيرة بالقضايا الإستراتيجية، وكان سموه وراء عقد مجموعة من المؤتمرات البحثية المرموقة في الشئون الإستراتيجية ، وكان سموه رؤيوياً حاذقاً، وعصرياً مبادراً عندما أعطى قضية استخدام التكنولوجيا المتقدمة في مجال الاستشعار عن بعد، اهتماماً استراتيجياً كبيراً.

كما عبر سموه عن اهتمام جوهري بالقضايا الشبابية وقضايا البحث العلمي، ورعاية العقول البحرينية والمبدعين، من خلال برنامج سموه للقيادات الشابة؛ وبرنامج ابتعاث الطلبة المتفوقين للدراسة في أعرق وأبرز الجامعات العالمية، وهما البرنامجان اللذان يعتبران من ابرز البرامج التي أخذت على عاتقها مسئولية توفير الفرص القصوى، للمبدعين ، وللمستحقين من الطلبة ذوي المعدلات العالية، لتأسيس قاعدة وطنية متميزة من المبدعين والقادة الشباب ، ومن خريجي الجامعات المؤهلين بأرقى علوم العصر وأكثرها تطوراً ومواكبة للتقدم في مختلف المجالات .

وفيما بعد، عبر سموه عن دور حاسم وجوهري في خلق امتدادات إستراتيجية جذرية للمشروع الإصلاحي الذي أعلن عنه جلالة الملك، وذلك من خلال مد مظلة الإصلاح إلى الاقتصاد البحريني . وتولى سموه قيادة المشروع الإصلاحي الكبير الذي طرح من خلاله أفكاراً ثورية في مجال رفع سوق الاقتصاد البحريني والحاقة بالاقتصاديات العالمية القوية ، فاكتسب بذلك مكانة رجل الدولة الذي يحلق في آفاق المستقبل باحثاً عن الأدوار والإمكانات المستقبلية للمملكة ، وأبنائها ، ولصورتها العالمية ، ودورها المحوري المنظور في أجندة سموه ..
.. وحاملاً لمفاتيح الإصلاح

هناك قول مأثور في البحرين وفي ردهات صناعة القرارات العالمية عن أن الدور الذي يلعبه سمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة أعمق وأكثر جذرية من الأدوار التقليدية لأولياء العهود التقليديين . بيد أن لسان حال ولي العهد الشاب الذي يفضي إلى التاسعة والثلاثين من العمر، يرد على هذه المقولة بابتسامة دبلوماسية وصمت جليل لا يحمل نفياً مطلقاً ولا تأكيداً قاطعاً. فهو من خلال قيادته لقوة دفاع البحرين يبرز كقائد عسكري يعمل بدون ضوضاء ؛ وهو من خلال رئاسته لمجلس التنمية الاقتصادية يبرز كعامل رئيسي لمفاتيح الإصلاح الاقتصادي ومعها بالطبع مفاتيح المستقبل الاقتصادي للمملكة ؛ وهو من خلال منصبه ولياً للعهد يحافظ على مسافة حكيمة ومعقولة من المراكز التقليدية لصناعة القرار ، غير أنها مسافة تسمح له بالتأثير، والتوجيه والمبادرة إن لزم الأمر. إنها مسافة الولاء لإنجازات الأب، المليك والقائد، ومسافة الوفاء لتاريخ العم والمعلم ، رئيس الوزراء وعميد النهضة، ومع ذلك فهي عند سمو ولي العهد أعمق أثراً وأصالة من كل المسافات الأخرى. ضف إلى ذلك الواقع التمثيلي الفريد الذي يتمتع به سموه كطليعة لشباب الوطن، وباعتباره القادر دائماً على خلق آليات تفاعل اقتصادي وسياسي جديد تضع أطراف المعادلتين السياسية والاقتصادية أمام مسئولياتهم للإقدام على مشروع التجديد الاقتصادي، الذي انعقدت رايته لسموه بإرادة وتكليف ملكيين ساميين ..

إن أهم أدوار أولياء العهود، في كثير من الأنظمة الملكية، هي تلك التي يلعبونها وراء الكواليس. غير أن سمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، على ما هو واضح، رجل يمقت الكواليس بطبعه. إنها لا تليق بالجنود، ولا بالملوك أيضاً.. وفرق كبير بين العمل خارج كادر الإضاءة ووراء تخوم البروتوكول، والعمل وراء الكواليس. لذلك فإن سمو الشيخ سلمان ، حين يتقدم إلى مقدمة المسرح، فإنه يتقدم مقترباً لمساندة الملك الأب والقائد. إنه يفعل ذلك مصعداً ومؤججاً من وتيرة الأشياء التي قد تكون تطلعات أو قرارات أو توجهات، فيساعدها بحكمة حصيفة وجرأة ريادية على أن تكتسب دينامية حيوية وفاعلة، وعندما تبدأ الأشياء قريبة من القطاف، فإنه يعود إلى موقع الجندي، على الخط الذي يختاره له القائد ..

إنه محرك أساسي ورئيسي من محركات التغيير وقوة طليعية أساسية. هكذا وصفه الإعلام الغربي والعربي على حد سواء ، وهو من وجهة النظر البحرينية النخبوية والشعبية : إصلاحي حقيقي من طراز رفيع، ورجل دولة مقدام، قادر دائماً على كسر التابوهات التقليدية السائدة. عبر عن ذلك قبل عملية الإصلاح، وحين بدأت العجلة بالدوران، فقد اختار موقع صمام الأمان، ورافعة التوازن بين أطراف المعادلات المتعددة؛ السياسية منها والاقتصادية ، والشعبية منها والنخبوية، مطبقاً نظريات كبار المثاليين الأخلاقيين في علم السياسة، من إيمانويل كانت إلى وودرو ويلسون . غير أن هؤلاء صاغوا نظرياتهم، وفق مبدأ ارتكز على عملية تسمى '' الاستبعاد الأخلاقي ''.. أي عدم النظر إلى الأقلية المتضررة من عملية الإصلاح. في حين كان سمو الشيخ سلمان متقدماً جداً عن هذه الفكرة . وكانت فكرته حيال مشروع إصلاحي كبير بحجم مشروع جلالة الملك، أنه لا بد من إعادة تخليق البيئة السياسية التي ينهض فيها المشروع، من غير أضرار. ووفق هذه الفكرة، كان سمو الشيخ سلمان المحرك الجوهري للجنة تفعيل الميثاق، التي قدمت قراءات عميقة جداً للحالة البحرينية، لو يتم استذكارها الآن، لقدمت مفاتيح جاهزة لكل الأبواب المغلقة، التي تعجز عن فتحها البيروقراطية السياسية، والتي تقدم للمسئول في العادة قرارات طبخت من قبل، أو جرى صقلها، لتبدو على غير ماهي عليه .. فالرجل لا يدفع من أجل اتخاذ القرار فقط؛ بل من أجل الوضوح في اتخاذه، والوضوح في فهمه، والوضوح في تنفيذه.. وقبل هذا وذاك أن يكون القرار ناضجاً تماماً، وسلساً تماماً، وان يأتي دائماً في اللحظة التاريخية المناسبة.. والمناسبة تماماً.
.. وطلائعياً مدافعاً عن مصالح المجتمع

من المشهور عن سمو الشيخ الشاب أيضاً ؛ أنه ليس من النوع الذي يشكو الزمن ويدين الواقع، ولا هو المتشائم الذي يهجو الظروف وينعي المبادرين والرواد. إنه من نوع القادة الذين يرسمون خرائط المعاني، ويبتدعون سياسات للمعرفة، بقدر ما يقتحمون مناطق جديدة للمساءلة والتفكير أو يجترحون أساليب جديدة للتطوير والتغيير .. وسمو الشيخ سلمان إلى ذلك، مدرك كبير بأن العالم لا يغيره الآن جمهور المتظاهرين أو المتمردين في الساحات العامة، كما لا يتغير بعقلية الطليعة النخبوية الجديدة المنفصلة عن واقعها وعن قواعدها الاجتماعية .. بهذا المعنى اعتمد سموه على الأفكار باعتبارها أدوات للتغيير، واتكأ على الحوار النخبوي الرفيع، باعتباره الوسيلة الأفضل لإعادة الصياغة والتشكيل، وباشر ضمن المحصلات التراكمية لكل ذلك، مشاريعه الإصلاحية القطاعية، والتي في مقدمتها إصلاح سوق العمل والإصلاح الاقتصادي ..

لقد حققت مشاريع الإصلاح الاقتصادي العربية، في غضون العقد الأخير، من النمو، أكثر مما حققت من التنمية. فالنمو تستفيد منه فئات محدودة، ولا يؤدي، بالضرورة إلى تراكم رأس المال الوطني ، وتطوير الخبرات، وتوليد فرص العمل ذات الدخل الكافي للعيش الكريم. أما مقاربات سمو ولي العهد لإصلاح سوق العمل وإصلاح الاقتصاد الوطني، فقد أنشأت سياقاً وطنياً للنقاش حول مستقبل العملية الاقتصادية والتنموية في البلاد، وطرحت ضمن هذا السياق آراء وأفكاراً وبرامج، وبلورت آليات وتوقعات، تستوعب في غضونها أجندة وطنية متكاملة لا تدير ظهرها للمطالب الملحة للأغلبية، ولا تعمل على إعلاء مصالح ''الاستثمار'' فوق مصالح المجتمع . وكانت هذه واحدة من أهم وابرز مميزات أجندة سموه التغييرية ..

وباعتباره المنظر الرئيس والقائد الحقيقي للمقاربات الإصلاحية التي توجه لها مجلس التنمية الاقتصادية، فقد أبدى سمو ولي العهد خطاً من العزيمة الواضحة لتأكيد الدور الاقتصادي ـ الاجتماعي للدولة، وقبل ذلك حماية الاقتصاد الوطني من الخضوع لهيمنة الكمبرادور التقليدي ، وإتباع نهج اقتصادي يسمح بمعالجة الفقر والبطالة ، وإصلاح التعليم، بما في ذلك خطط إعادة التأهيل وزيادة الإنتاجية المحلية، وتأمين عمالة مدربة بأجور معقولة تضمن استيعابها في الاستثمارات الموعودة.. وتعيد الاعتبار إلى الطبقة الوسطى البحرينية التي تشكل في العادة محور النشاط المحلي والوطني ..

في هذا الإطار، فإنه يحسب لصاحب السمو ولي العهد أنه استطاع في مجمل مقارباته لإصلاح سوق العمل أو إصلاح الاقتصاد الوطني ، أن يتوصل إلى المعادلة السحرية القادرة على التسوية بين مصالح المجتمع، ومصالح '' البزنس '' . فحين تكون إدارة الاقتصاد الوطني مقررة لصالح ''البزنس ''على حساب المجتمع ، تكون النتيجة شل الفئات الأكثر حيوية عن النشاط الاستثماري والاستهلاك الطبيعي، وإضعاف الطلب المحلي، وضرب القيم الاجتماعية والثقافية والأخلاقية التقليدية والاتجاه بالبلدان إلى انقسامات طبقية لا ترحم ، بين أقلية كمبرادورية وأكثرية مهمشة. وهذا في الواقع هو المعضل الذي وقعت فيه جل مشاريع الإصلاح الاقتصادي في جميع الدول العربية. وهو أيضاً المعضل الذي تمكنت مقاربات سمو ولي العهد ومشاريع مجلس التنمية الاقتصادية من تجاوزه ، وحصنت نفسها عن الوقوع فيه من خلال وصفة سحرية بسيطة ولكنها عزيزة ..

هذه الوصفة يمكن تلخيصها على النحو التالي: مهما كانت الحكومة المركزية حازمة ومخلصة، فإنها لا تملك الأدوات اللازمة للتدخل في السوق؛ خاصة إذا ما كانت هذه السوق حرة تماماً، كالسوق البحرينية. من هنا فإن الحل الفعال الذي يقترحه سمو ولي العهد يكمن في الإجراءات الاقتصادية وليس في الإجراءات الإدارية . وكان السؤال الأهم الذي طرحه سمو الشيخ سلمان ، هنا ،على النحو الآتي : إذا كانت السياسات الاقتصادية والاجتماعية محددة ولا يمكن تغييرها أو تطويرها فما الداعي إذن للديمقراطية ؟ لذلك فقد بادر سموه إلى تطوير شكل حصيف من الديمقراطية، لا بمعناها الانتخابي، ولكن بمعنى المشاركة الشعبية أو القطاعية في اتخاذ القرار. ومنها بادر سموه من خلال مجلس التنمية الاقتصادية، إلى إنتاج شكل من الديمقراطية الحوارية بين المعنيين من أجل الوصول إلى قرارات وطنية ذات حاكمية رشيدة ، قادرة على بناء أدوات اقتصادية لتأمين تدخل ناجح وقانوني في حركة السوق، ليس بالنسبة إلى السلع فقط، ولكن بالنسبة إلى أركان العملية الاقتصادية والاستثمارية والخدمات والصحة والتعليم والسكن الخ.. في عالم الإصلاح والتطوير والتحديث هناك ثلاثة أنواع من الأفكار : الأفكار البدهية ، والأفكار المستحيلة، والأفكار التي ينادي بها سمو ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة . وفي الآونة الأخيرة، وإبان جولات سمو الشيخ سلمان بن حمد على المجالس الرمضانية ، صدرت عن سموه تصريحات اعتبرت آنذاك وبحق ، خروجاً مسئولاً وجريئاً على مصفوفة التابوهات الراكدة في غضون المتن الاجتماعي والسياسي البحريني بل الخليجي . ومن المشهور عن سموه قوله في هذا الصدد : '' سوف أصل إلى أي وزير يثبت تورطه في قضايا فساد، فيد العدالة طائلة، ولا أحد فوق القانون '' . لقد اعتاد المجتمع والسياسة البحرينية على سمو ولي العهد الشاب كمصدر دائم للمبادرات التقدمية ، والأفكار الإصلاحية الأكثر عمقاً ، والأكثر محايثة لنهضة المملكة وتحقيقاً لمستقبلها الواعد وموقعها المنافس في مستقبل المنطقة . وسيبقى سموه بإذن الله قوة أساسية في صيرورة تكوين هذا المستقبل..

ليست هناك تعليقات: