الثلاثاء، 15 يوليو 2008

في عيد ميلاد المليك .. وسيد العهد


بالنسبة لملك كبير ورجل دولة فذ ومجدد ؛ بنى مسيرته منطلقا من كونه جنديا من جنود الوطن ، ومن ميادين العزة والشرف والانضباط ومنتهى الشفافية ؛ يبدو التاريخ ناصعا، جليا، ومنظورا أكثر بكثير منه عند الزعماء والقادة الذين تتشكل سيرهم الذاتية وتواريخهم من حشود الاضاءات المفتعلة ، سواء المغرقة منها بالهجاء أو المبالغة منها بالمديح والتمجيد . عاش جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة المفدى شطرا كبيرا من مسيرة حياته في ميادين الجندية ، وكولي لعهد والده سمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أمير البحرين ، فقد نأى بنفسه وبمنصبه الكبير عن الاضاءات الإعلامية . ومع ذلك فقد كان اقدر من أي قائد آخر على استقطاب المريدين الأوفياء. ورغم انهماكه المبكر بالعمل العام والسياسي إلا انه كان وما زال بلا خصوم حقيقيين ، وعلى مدى سنوات عمله وليا للعهد كان فيها محط آمال وطموحات مختلفة ومتناقضة من والده الأمير الراحل طيب الله ثراه ، ومن شعبه الوفي ، ومن التابعين لقيادته من أفراد وضباط قوة الدفاع ، فان جلالة الملك حمد لم يخذل أيا من هذه الطموحات والآمال ، رغم تناقضها واختلافاتها الجوهرية ، وكان هذا في الواقع واحدا من مفاتيح عظمة حمد بن عيسى ملكا مجددا ، وقائدا إصلاحيا ، وزعيما صانعا للتاريخ ..

*****
وبما أن أفعال جلالته خلال مسيرته وليا للعهد ، ثم أميرا للبلاد ، وملكا للمملكة العريقة ، كانت تعكس رفعة شخصيته وسمو سجاياه، فان أسلوبه كان أحيانا عرضة لعدم الفهم من الذين لم يكونوا توصلوا إلى إدراك متوازن لخصوصية دور ولي العهد في البداية ، ولشمولية الأمير والملك النهضوي والتجديدي تاليا ، في بلد تقليدي . فخلال مدة تولي جلالته منصب ولاية العهد ، لم تلتقط له صورة وراء مكتب ، كانت كل الصور التي تسجل مسيرة حياته وعمله آنذاك تلتقط في ميادين العمل : جنديا من جنود الوطن ، أو رجل دولة يحمل راية بلاده إلى آفاق الدنيا ، أو قريبا من أمير البلاد يمنحه الرأي والمشورة والدعم وشفافية القلب ، وماء العيون ، ورحيق الفكر ، وشجاعة الروح ، وجهاد الساعد . وبعد سنوات قصيرة جدا من توليه راية الحكم ، تمكنت سجايا جلالة الملك حمد وانجازاته والنجاحات التي حققها أسلوبه الإصلاحي المنفتح على الجميع من جلب أفواج المريدين إلى الجانب الذي كان فيه العاهل الإصلاحي . وكان جلالته دائما في الجانب المحق من التاريخ ، وفي الجهة الأكثر نقاء من الواقع .

*****
في رأيي أن نسبة كبيرة من البحرينيين الشباب ليس لديهم فكرة كاملة عما كانت عليه البحرين في مرحلتي الستينات والسبعينات وربما الثمانينات من القرن الماضي. وبالتالي فان فكرتهم عن الانجازات الكبرى التي حققها جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة خلال سنوات معدودة ، ليست متماسكة بالقدر الذي قد تؤدي إليه المقارنة العادلة بين ما كان وما صار . ومع ذلك فان هؤلاء جميعا يشعرون بهذا الازدهار الكبير الذي تعيشه بلدهم وهذه الوفرة التي يعيشونها في حياتهم اليومية وهذه الصروح الإنشائية الكبرى التي تعلو يوميا ، وهذه الديمقراطية والحداثة في أساليب الحكم التي يتعايشون معها .. وهم بالتأكيد يرقبون بعيون قلوبهم وعقولهم أساليب مليكهم المحبوب في السعي بهم إلى أعلى مراتب الرقي والتقدم ، ويقرؤون في خطابه الشفيف والصريح فكر هذا المليك الرائد وطموحاته ، ويواكبون البحرين الحديثة وهي تسجل كل يوم مركزا أول على مختلف المقاييس العالمية .. إن كل ذلك، وكثير غيره، جاء من خلال سياسة حكيمة انتهجها جلالة الملك حمد منذ الأيام الأولى لتوليه مقاليد الحكم، وما تزال هذه السياسة هي جوهر الحكم وفلسفة القيادة.

*****
في اليوم الثامن والعشرين من شهر يناير عام 1950، استيقظ الفجر على ميلاده وعدا بحرينيا مكللا باليقين.. واستقبلته شغاف الوطن: فارسا عربيا يغير مسار التاريخ.. وقائدا منتظرا يبحث عنه الحاضر ويتشوق إليه المستقبل.. وكانت احتياجاته زيا عسكريا وسلاحا ومعرفة يناضل بها من اجل بلده ويجاهد بها في سبيل حياة شعبه .. وقائدا، حيث كان الوطن بالنسبة إليه قيمة داخلية، والجندية حالة نفسية، والكرامة قوة ذاتية، والعروبة طاقة داخلية، ورائدا، حيث كنت منذ صباك وطفولتك مشغولا بالوطن حاضرا ومستقبلا، ومنشغلا بالمواطن أخا ورفيقا وصديقا..

وفي عهده استعادت البحرين لياقتها الدولية، ورسالتها الحضارية ، ومكانتها العالمية، وحضورها في أروقة العدالة وحقوق الإنسان ، وتقدمها على مدارج الديمقراطية والإصلاح ، ودروها المحوري .. وما زلت تمتشق سيف الإصلاح، ممتطيا صهوة الحق، وفاتحا أمام شعبك سبلا جديدة للتميز، وطرقا سديدة للرفعة، ودروبا عتيدة للكرامة والعزة..

*****
قامت سياسة جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة منذ ارتقائه سدة الحكم، على صناعة وتأهيل وتطوير المجتمع المدني " لأنه نتاج التحاور العقلاني الحر والهادئ، والإيمان بالممارسة الديمقراطية وحرية الاختلاف في الرأي" ـ كما قال جلالته في أحاديث الوعي الوطني ـ " فما كان ممكنا لنا أن نتوافق على الميثاق ومشروع الإصلاح، ثم نواصل المسيرة لولا وجود مجتمع مدني متقدم في البحرين يمثل الأساس الوطيد لانطلاق التجديد الدستوري والديمقراطي " .

بهذا ، اقتحم جلالة الملك حمد عباب الذاكرة العربية رائدا للإصلاح، فكان مقارنة مع كل زعماء وقادة العالم العربي قائد سرب الإصلاح الذاتي ورائد درب الحكم الرشيد ، فعلمنا كيف تقوم الرؤية الاستشرافية بدورها في استشعار الطريق أمام الأمة , وكيف يقوم التصميم والإصرار بدوره في اختبار التحديات أمام الدولة , وكيف تقوم القيادة بمسؤوليتها , كحاوية للثقافات , والايدولوجيات , والأجندات , والمقدرات والمواهب , لتوظيفها جميعها في خدمة المشروع النهضوي .. وبهذه الرؤية, فقد استطاع جلالته أن يحول الأزمات, إلى روافع, والتيارات المعاكسة إلى رياح مسالمة, تخدم توجهات السفينة, وتنصاع لعبقرية الربان.. وتمكن من تحويل الفراغات السرمدية بين الواقع المتخلف نسبيا , والمقدرات المحدودة , والإمكانات المتواضعة , والظروف السياسية والتاريخية العاصفة , في جهة .. والآمال والطموحات والتطلعات في جهة أخرى, إلى جسور هائلة, متينة, متماسكة, نقلت البحرين, إلى دولة تسابق الزمن, وتقتحم المستقبل, وترفع راية الريادة الحضارية على مستوى المنطقة، وراية الإصلاح على مستوى العالم العربي.

*****
ومنذ توليه مقاليد الحكم في العام 1999، عاش جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة تجربة إنسانية فذة, مليئة بالاختبارات, وثرية بالمواقف, والمحاور المركزية, على الصعيدين المحلي والخارجي.. فشهدت هذه المسيرة تكريس حضور جلالته الإقليمي والعربي والعالمي رائدا من باعثي الإصلاح العربي , وزعيما مؤسسا من طليعة المؤسسين . كما شهدت نجاحا ساطعا لمصفوفة السياسات الحكيمة التي اجترحها جلالته على صعيد الحكم الرشيد ، والنظام الديمقراطي ، والحياة البرلمانية فأعطت المبادئ التي زرعها جلالته أكلها بأسرع ما يكون الثمر , وأروع ما تكون الزراعة ، وصارت مدرسة امتثل لهديها زعماء وقادة بارزون في المنطقة , وتنقل جلالته في الأرض شرقا وغربا في سبيل هذا الوطن ومن اجل خير شعبه .. ما فتح للبحرين سبلا عديدة للريادة.. وفيما كانت مقاييس الدول من حولنا تتجدد لتستلهم الانجازات البحرينية ، وكانت البحرين تدخل في كل يوم مصفوفة جديدة من قوائم الدول الفائقة ، في التنمية البشرية ، والشفافية ، والديمقراطية ، والاستثمار ، وحرية الاقتصاد ، وتشغيل العاطلين عن العمل ، والتعليم الالكتروني ، ومدارس المستقبل ، وتمكين المرأة ..

فيا صاحب الجلالة.. ويا سيد العهد..
لك المجد وعليك السلام في يوم عيد مولدك البهي..
ولك هذه الحناجر التي تهتف بحياتك ملكا، وهذه القلوب التي تنبض بحبك قائدا، وهذه النفوس التي تزهو بمحبتك فخرا واعتزازا..
ولك ما في ضمائرنا من يقين، و ما في أقلامنا من قصائد، و ما في بحرنا من عطاء..
لأن كل الأعياد يوم أو بعض يوم.. وعيدنا بك أيام وسنوات ..
ولأن كل المناسبات تسجلها الرزنامات والمفكرات.. ومناسباتنا بك تسجلها القلوب والانجازات ..