السبت، 19 يوليو 2008

البروفيسور الطبيب الشيخ خالد بن علي آل خليفة



الشافي هو الله . ولكن ثمة دائما دور حاسم للطبيب في حياة المريض أو في نوعية حياته . وفي بلاد الشام ومصر تنتشر هناك ظاهرة نشر إعلانات الشكر والثناء للأطباء الذين يظهرون براعة فائقة في معالجة مرضاهم . وفي العادة فإن حصة كبيرة من هذه الإعلانات تذهب للأطباء الجراحين الكبار . ولو كانت هذه الظاهرة سائدة هنا في البحرين ، لكان ثمة نصيب وافر جدا منها ، للبروفيسور الدكتور الشيخ خالد بن علي آل خليفة ، قائد الخدمات الطبية الملكية ، والجراح والنطاسي البارع ، الذي تعدت سمعته البراقة حدود المملكة إلى العالم الكبير ..

وفي المتن الإجتماعي لسكان بلاد الشام ، يشار في العادة إلى الطبيب بلقب " حكيم " ؛ للدلالة على جملة من السجايا التي تتجاوز البراعة العلمية والتحصيل العالي الى الطواف في فضاء الحكمة. وثمة كثيرون من الذين عرفوا البروفيسور الدكتور خالد بن علي آل خليفة ، يوافقون معي على أن نصيبا كبيرا من الثناء الذي يحظى به الرجل محليا وعالميا ، لا يتأتى فقط من براعته كطبيب حاذق ، وجراح نطاسي ؛ بل من سجاياه الرفيعة كـ " حكيم " ، ومن سمعته الأكاديمية والعلمية التي فتحت للرجل سجلا عالميا مرموقا ، متوجا بلقب ودرجة بروفيسور اللذين منحتهما للدكتور الشيخ كلية الجراحين الملكية الايرلندية ، فكان بذلك ، أول عربي من خارج ايرلندا ورابع طبيب على مستوى العالم ، يحصل على هذا اللقب اللامع ، وهذه الدرجة السامية بكل رفعتها ومقامها الأكاديمي المرموق ..

والواقع أن إنجازات العميد طبيب الشيخ خالد بن علي آل خليفة ، لا تتوقف على ما بناه لنفسه من سجل لامع ، وسمعة رفيعة ، وأبحاث رائدة ، وبراعة متميزة كإستشاري وجراح ، جلب الكثير من السعادة لمراجعيه ، والكثير من الشفاء لمرضاه . فقائد الخدمات الطبية الملكية ، وضع هذه المؤسسة الوطنية البحرينية ، على قائمة شرف المؤسسات الطبية العربية ، حين جلب إليها بفضل إدارته الحكيمة ، شهادة الإعتماد الدولية من قبل المجلس الأسترالي للمواصفات والمعايير العالمية للرعاية الصحية ، فكان المستشفى العسكري لقوة دفاع البحرين ، أول مستشفى يحوز هذه الشهادة عند أول مسح شامل على امتداد تاريخ المجلس . كذلك ، فقد حقق المستشفى العسكرى إنجازا تاريخيا آخر غير مسبوق ، بحصوله على درجة الإمتياز فى خمسة قياسات عالمية إجبارية ،لاعتماد المستشفيات . فى حين ، لم يتجاوز أعلى سجل لأي مستشفى عربي آو عالمي آخر درجة الإمتياز بأكثر من ثلاثة قياسات ، عند المسح الأول .. ! .. لقد أصبح المستشفى العسكري والخدمات الطبية الملكية بقيادة العميد طبيب الشيخ خالد بن علي آل خليفة ثروة وطنية ، وعلامة بحرينية مسجلة عالميا ، ومصدر فخر للوطن واعتزاز للقيادة ، وموئل شفاء وانسانية للمواطنين ، ومعاملة فوق العادة للمرضى والمراجعين والمستفيدين من خدمات هذا الصرح الوطني الكبير ..

كثيرون من الذين عرفوا البروفيسور الدكتور خالد بن علي آل خليفة ، يمنحونه قدرا عاليا من التبجيل الذي يليق بشخصية تفيض إنسانية ، وتتعدى في أبعادها الحصيفة ، حدود الروايات الفردية والإنطباعات الشخصية . فالطلاب الجامعيون الذين درسوا على يديه ، يعرفون فيه أستاذا بارعا ، وأكاديميا رفيعا ، وعالما تمتد سجاياه اللامعة إلى خارج حدود قاعات المحاضرات ، ومختبرات الجراحة . والمرضى الذين كتب الله لهم الشفاء على يديه ، وأهاليهم ، يصفون طبيبا إنسانا ، بيدين بارعتين ، وعقل موسوعي ، ومعرفة عميقة ، وخبرة عالية ، وابتسامة واثقة تبعث الطمأنينة في شغاف قلوب المرضى ، والسكينة إلى نفوسهم ، والإعجاب الكبير الى ذاكراتهم التي تحيط إسم الرجل بقدر ركين من التبجيل والإمتنان ..

في السياق الشخصي ، عرفت الدكتور الشيخ قبل أيام فقط ، فكانت هذه الصدفة القدرية ، مناسبة ستبقى عزيزة في ثنايا وجداني ، لطبيب إنسان ، وجراح حكيم ، وعالم جليل ، وشخصية قيادية من طراز نادر . وفي السياق الوطني ، يمثل البروفيسور الشيخ خالد بن علي آل خليفة ، أيقونة وطنية بحق ، وقاطرة إنجازات للمؤسسة التي يقودها بشغف ، إلى مراكز عالمية مرموقة .. وفي السياق الذي بدأنا به هذه المقالة ، حول ظاهرة إعلانات الشكر والثناء التي تعرفها مجتمعات بلاد الشام ومصر ، للأطباء المتميزين ؛ أستطيع أن أقول بكل ثقة ، أن هذه الظاهرة لو كانت موجودة هنا في البحرين والخليج العربي ، لكانت الوكالات الإعلانية حققت بفضل هذا الطبيب البارز أرباحا فائقة ، لكثرة الشاكرين لأياديه البيضاء وروحه العفية ..

" أصداء " علي عبدالله خليفة شاعرا وإنسانا ..!!



كان بابلو نيرودا ـ كشاعر عظيم ـ يتقن أكثر التقنيات الشعرية تطورا في أيامه، مضيفا إليها قدراته الإبداعية المدهشة، والتي كانت كفيلة بجعل كل قصيدة من قصائده مصدر إلهام لعدد لا حصر له من اللوحات الفنية ، ولذلك فقد كان شعره موضوعا لعدد من المعارض الفنية الخاصة التي أقامها رسامون عدة منهم بيكاسو. لكن سنوات عديدة قد مرت منذ أن سمعت أو قرأت عن شاعر ما، كنجم لمعرض فني خاص بقصائده. ويعود ذلك جزئيا إلى ندرة الرسامين الذين يحبون أن يعترفوا بشاعر، ما، كمصدر الهام. وأكثر من ذلك: ندرة الشعراء الذين يستحقون أن يخصص فنان تشكيلي كبير، معرضا كاملا من وحي قصائدهم. أما صديقنا : الشاعر البحريني المبدع علي عبدالله خليفة فقد حاز كلا الحسنيين : أن يكون شعره مصدر الهام لمعرض تشكيلي باهر واستثنائي ، وان يكون الفنان المستلهم لشعره أنثى فارهة الأنوثة ، وتشكيلية فارهة الإبداع ، ومثقفة تحمل شغفا خاصا بالكلمة إذ هي البدء ، والكلمة إذ هي الروح التي ينفثها علي عبدالله خليفة في زجاج شانتال لوجندر ، فيصير خلقا بهيا ..

ومع أنني ـ شخصياـ عدت من المعرض " أصداء"، ممتلئا شغفا ووجدا وإعجابا ودهشة، إلا أنني لن اكتب عن المعرض. فهذا مجال المتخصصين والنقاد. أما مجالي ، ففضاء من العوالم الإنسانية التي تملأها شخصية علي عبدالله خليفة ؛ مبدعا وشاعرا وأديبا وإعلاميا وباحثا .. وصديقا نبيلا..

فالمسافة من ديوانه الأول " أنين الصواري" إلى معرض " أصداء" مرورا بديوانه الثر " لا يتشابه الشجر " ، يملأها علي عبدالله خليفة بشاعريته المتدفقة وكلماته الرقراقة ومضامينه الحية وإيقاعاته المتجددة وتنويعاته الخلاقة التي يتلقى وحيها حسب اعترافه من ثلاثية : الحلم والبحر والمرأة ، ليضيء بها " ذاكرة الوطن " ويروي " عطش النخيل" ويهدهد " عصافير المسا " .. !

أما المسافة من المـجلـة الأدبـية " كتابات " التي أسسها علي عبدالله خليفة عام 1976، إلى المجلة التراثية المحكمة "الثقافة الشعبية" التي أسسها عام 2008 ، فهي بكل معنى الكلمة : مسافة إعجاز ؛ زرعها هذا الشاعر الذي تكتبه القصيدة قبل أن يكتبها ، والمبدع الفياض بالعطاء ، بحشد متدفق من نخيل الانجازات التي تراوحت بين تأسيس مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربية عام 1982، وصياغة وإعداد مشروع الإستراتيجية الوطنية للشباب بمملكة البحرين عام 2005 . وفيما بين هذه وتلك كان يؤسس مجلة " المأثورات الشعبية" بقطر ، ويشرف على إنشاء الأمانة العامة للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بمملكة البحرين ، ويصدر مجلة " البحرين الثقافية " ، ويتولى مهمة تأسيس إدارة البحوث الثقافية بالديوان الملكي بمملكة البحرين ، ويشارك في أعمال العديد من المنظمات العالمية المهتمة بالتراث والثقافة ، ويحيي الأمسيات الشعرية متنقلا بين المهرجانات والملتقيات العربية والعالمية ، منشدا رسالته الإنسانية ، ومجددا في لغة الشعر واقانيم الموروث الأدبي العربي والخليجي ، ومنقبا دارسا في تلاوين الفنون ومضامين النصوص ..

وتبقى المسافة التي هي طقس يومي في مسيرة علي عبدالله خليفة ؛ واعني : المسافة التي بين قلب كغيمة وقلب كصفحة كتاب مقدس ، وبين عقل كالفضاء وعقل كالبراح ، وهذه يؤثثها بحشد من السجايا النبيلة والرقة التي تفيض عن الاحتمال والوفاء الذي يستحضر الفروسية كعادة يومية والمحبة نشيدا دائما .. وبلغة مستلة من السحر، وابتسامة مستلة من النهر، وقلب رحب يتسع لأخطاء الآخرين قبل إحسانهم ولأوجاعهم قبل أفراحهم..

مع بابلو نيرودا ، بدأنا هذه المقالة عن الصديق الشاعر علي عبدالله خليفة ، ونختمها معه أيضا حين قال مرة مخاطبا ناظم حكمت: أشهد أنك بهذا قد أجبت عنا جميعاً. وأنا أقول نفس العبارة لعلي عبدالله خليفة .

الجمعة، 18 يوليو 2008

ابراهيم بن خليفة الدوسري .. مَن شابـَه وطنه فما ظلم !








لم اكتب من قبل عن ابراهيم خليفة الدوسري ، رجل المتابعة والبحث والمعلومات في ديوان سمو رئيس الوزراء ، ورجل التدريب وتنمية الموارد البشرية . ثمة تقصير في ذلك ، تجاه رجل بحريني يمتلك هوية عالمية . ولكن ما يجعل هذا التقصير حادا وقاسيا جدا ، انه ليس تقصيرا فرديا ، بل يشاركني فيه كل الكتاب والصحفيين البحرينيين . هل ترى مرجع ذلك لزهد الرجل بالاضاءات الاعلامية ؟ ربما .. ولكن ذلك يجب ان لا يكون عذرا للكتاب والاعلاميين ، وليس عذرا لي بالتأكيد ..

بالنسبة لابراهيم خليفة الدوسري ، ثمة على الاقل عشرة معان مرادفة لكلمة منصب . فهو : وكيل وزارة مساعد للمعلومات والمتابعة بديوان سمو رئيس مجلس الوزراء، وهو رئيس مجلس ادارة الاتحاد الدولى لمنظمات التدريب وتنمية الموارد البشرية ، وهو مستشار مجلس ادارة جمعية البحرين للتدريب وتنمية الموارد البشرية ، وهو الرئيس التنفيذي لدورات عديدة لجمعية البحرين للتدريب والتنمية ، وهو عضو لجنة جائزة الشيخة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة رئيسة المجلس الأعلى للمرأة لتمكين المرأة ، وهو عضو مجلس المناقصات ، وفي أغسطس 2007 تم انتخابه رجل العام للاتحاد الآسيوي لمنظمات التدريب وتنمية الموارد البشرية .. !!

السؤال الذي يخطر في البال الآن ، هو : كيف يتمكن رجل له كل هذه الارتباطات والمناصب ، من التنسيق فيما بينها ، ثم اداء واجباته الرئيسية والحساسة جدا ، كوكيل وزارة مساعد للمعلومات والمتابعة بديوان سمو رئيس مجلس الوزراء؟ الغريب ان الاجابة عن هذا السؤال ، تأتي من خارج البحرين ايضا . وهنا تصل دراما النكران الاعلامي بحق هذا الرجل قمة مشهدياتها . فترشيح الدوسري كشخصية العام في الاتحاد الآسيوي ، جاء من قبل مجموعة كبيرة من الشخصيات العالمية المهتمة بالتدريب وتنمية الموارد البشرية ، والتي لها حضورها العالمي في المحافل العالمية .. وفي شهادته المرموقة بحق الدوسري بعد انتخابه ، قال الأمين العام للاتحاد الآسيوي : " ان مجلس إدارة الاتحاد كان يرصد انجازات الدوسري ، ويتابع باعجاب اهتمامه بتطوير الاتحاد العالمي لمنظمات التدريب وتنمية الموارد البشرية ، حيث قام باتخاذ العديد من المبادرات في هذا الصدد ، منها : زيادة الموارد المالية للاتحاد العالمي ، وتنويع البرامج المساندة للدول الفقيرة ، وإعادة صياغة النظـام الأساسي للاتحاد الدولي ، وتغيير معايير المؤتمرات العالمية السنوية للاتحاد "..!!

وعند اختيار الدوسري كأول خليجي واول عربي يشغل رئاسة مجلس ادارة الاتحاد الدولي للتدريب وتنمية الموارد البشرية ، اصدر الاتحاد الدولي بياناً صحافياً مثـّل شهادة عالمية اخرى بحق هذا الرجل الذي تصلح فيه المقولة العربية السائرة عن مطرب الحي الذي لا يطرب ، ليس لشيء سوى ان ابناء الحي يفضلون ان يمنحوا ود آذانهم للغريب القادم من وراء البحار . قال الاتحاد : " ان فوز الدوسري بهذا المنصب وبالتزكية التامة ، يعتبر تأكيدا دوليا لما يتمتع به الدوسري من تاريخ علمي حافل بالانجــازات في مجالات التدريب والتنميـة البشـريــة ، ولـمـا قـام بـه مــن مساهمات فعالة في مشاريع وبرامج الاتحاد الدولي ، واستحــداث العديد من البرامج وتطويرها في الدول الاعضاء " .. !!

يتميز ابراهيم الدوسري بالاغراق الشديد في العمل ، ولعل قربه من مجال سمو رئيس الوزراء ، وحده ، يكفي ان يكون منشغلا لاربع وعشرين ساعة ؛ وان يكون حاضر الذاكرة على الدوام ، وصاحب بديهة اسرع من الضوء ، ومزودا دائما بالمعلومة التي يريدها سمو رئيس الوزراء في اية ساعة من النهار او الليل . انها حامل مفاتيح حقيبة المعلومات اللازمة لرجل الدولة الفذ ، وعميد النهضة الكبير . مع ذلك يجد ابراهيم الدوسري من الوقت والعزيمة ما يؤهله لكي يكون مختارا عالميا فيما يتعلق بطول واستمرارية فترة العطاء التطوعي ، وحجم هذا العطاء ، ونوعيته المرموقة ، وان تستقطب مبادراته ومساهماته في المنظمات والمحافل الدولية المعنية بتنمية الموارد البشرية ، اعجاب وامتنان هذه المنظمات والمحافل ، واعترافها ، بان هذا التكنوقراطي البحريني " ساهم بشكل مباشر وجوهري ، في تحسين وتنمية الموارد البشرية على مستوى العالم ".

يستحق ابراهيم الدوسري ، تقديرا يتجاوز الكتابة عنه . وهو وان كان زاهدا في الاعلام واضاءاته ، الا انه يمثل في الحقيقة قيمة بحرينية عالية . وفي الجزء البحريني من عالم التدريب وتنمية الموارد البشرية ، يعتبر الدوسري الأب الروحي لجمعية البحرين للتدريب وتنمية الموارد البشرية ، فهو المساهم الرئيس في اعلان ولادتها ، وهو الذي كمن دوره المصدري وراء انطلاقتها وتعزيز دورها العام ومشاركاتها النوعية في هذا المجال الذي يعتبر الآن مؤشرا عالميا .. ومن كوالالمبور الى جاكارتا ، ومن المنامة الى روما ، ومن الرياض الى سان فرانسيسكو .. يذهب ابراهيم الدوسري بعيدا ، للتبشير بالتجربة البحرينية في التنمية البشرية . هذه التجربة التي حظيت بسجل دولي استحق الكثير من الشهادات والتقارير العالمية .. ونكران ذوي القربى .. وهنا نتحدث عن البحرين ، لا عن الدوسري . ولكنها نفس المشهدية .. بالنسبة للدولة .. وبالنسبة للرجل .. ومن شابه وطنه فما ظلم .

الخميس، 17 يوليو 2008

خالد كانو .. نبيلا.. وركيزة أساسية في مجتمع الاقتصاد الخليجي



عندما يتحدث صديقنا الدكتور عبد الرحمن بوعلي عن خالد كانو ، يشير إليه غالبا بأنه : نبيل وأبو نبيل .. والعبارة على الرغم مما فيها من المداعبة الإخوانية ، إلا أنها تحمل دلالة عن السجية الأكثر بروزا بين مصفوفة السجايا الرفيعة التي يتمتع بها الوجيه خالد كانو الذي اختارته مجلة التايمز اللندنية ضمن قائمة الـ 25 شخصية المؤثرة في مستقبل منطقة الخليج . وقبل أيام كنت في جلسة ضمت إضافة إلى الدكتور عبد الرحمن بوعلي كلا من السفير كريم الشكر وعبد الجليل الأنصاري ، وكان خالد كانو ، موضوعا رئيسا من موضوعات أحاديث الرجال الثلاثة ، الذين اجمعوا على حقيقة أنهم لو أرادوا انتقاء مفتاحا فطريا مصقولا بجهد ذاتي لشخصية خالد كانو ، لاختاروا النبل صفة جوهرية خالصة للرجل الذي بقدر ما تتعدد سجاياه فإنها تبدو وكأنما تتكامل وفق معادلة دقيقة جدا ، لا تنافر فيها ..

يتميز خالد كانو , بأنه شخصية ودودة , مفعم بالسمو والكرامة , ويبدو في سلام مع نفسه ومع الأشياء من حوله على الرغم مما يتيحه له منصبه في قمة إمبراطورية مالية ضخمة من قوة طاغية .. إنه احد أبرز أقطاب عالم المال والأعمال في المنطقة, ومع أنه غير مولع بالاضاءات الساطعة, إلا انه يعمل دائما على تخليق أجيال من الأعمال والمشاريع الكثيرة السطوع في سماء المال والاقتصاد والفكر والإبداع والاجتماع والإعلام والسياحة وتأسيس الكيانات الاقتصادية والاجتماعية الجديدة. ويمكن القول بجدارة أن إحساس الرجل بما يراه واجبا ومسئولية اجتماعية, كان صادقا دائما ونابعا من القلب ومفعما بالإرادة والعمل الجاد.. وثمة أكثر من دليل على ذلك، برزت إبان قيادته لسفينة غرفة التجارة والصناعة البحرينية منذ العام 2001، ومن خلال تأسيسه لبنك الإجارة، وغيره من سلسلة الأعمال والكيانات الاقتصادية الموجهة أولا لخدمة المجتمع، والتي كان آخرها الجمعية البحرينية للشركات العائلية. وهي الجمعية التي تمثل نتاجا عمليا صافيا للأفكار التي طالما عبر عنها خالد كانو بخصوص تعزيز الشركات العائلية واستشراف مستقبلها ودورها على خارطة الاقتصاد الإقليمي والعالمي ، إزاء ما تفرضه العولمة من تحديات مالية وإدارية وتسويقية وقانونية على الاقتصادات الخليجية التي يتكون 95 % منها تقريبا من شركات عائلية .

في هذا المساق ، تبدو أفكار خالد كانو شأنها شأن أفكاره الاستشرافية في مختلف المجالات التي يتصدى لها الرجل بشخصيته القيادية الراعية ، فهو يعد بالتحول إلى جمعية خليجية تعني بشؤون وأوضاع الشركات العائلية على مستوى المنطقة . وهو يقول إن الشركات العائلية تشكل الركيزة الأساسية في اقتصادات المنطقة، ما يجعل تأسيس إطار خليجي يجمع المعنيين في هذه الشركات أمرا حتميا إذا ما أردنا لهذه الشركات البقاء والنمو والازدهار في مواجهة التحديات العولمية القادمة ..

معروف عن خالد كانو انه قليل الكلام, ومتحفظ, ولكنه شديد الاعتزاز بثقافته وطاقاته الفكرية والانجازية العالية. أما الذين اقتربوا منه, وهو يشارك في قيادة واحدة من اكبر الإمبراطوريات المالية في المنطقة, أو يقود سفينة أسرة التجارة البحرينية ، فيصفون شخصا ديناميكيا إلى الحد المثير للدهشة؛ وإداريا لامعا, وطموحا جدا ولكن نزيه إلى حد اقتران صفة النزاهة الفطرية عنده بالنبل المصقول بعناية وتوق شديدين.

وكما كان "ويسلر" هو أول من نظر إلى وجود "دائرة ثقافية" تقوم عليها حضارة المجتمع , فان خالد كانو, ربما يكون من ابرز رجال الأعمال العرب الذين أرسوا "دائرة ثقافية اجتماعية" تقوم عليها سياسته وانجازاته الاقتصادية . فخريج إدارة الأعمال , وبطل الكريكيت وكرة القدم وسباقات الماراثون الذي يصفه بعض مجايليه في صيدا ونوتنغهام والولايات المتحدة, بأنه كان شغوفا بالبحث , وتشكيل ثقافة مرموقة رفيعة , استطاع أن يكوّن نموذجه الخاص لمفهوم رجل الأعمال الموسوعي ، ورجل المال الشديد العناية بتوثيق التاريخ والمحافظة على الموروث الأصيل. ولعله منطلقا من هذه السجية انهمك لفترة طويلة في إصدار كتابين من أهم الكتب التي تؤرخ لمجتمع الاقتصاد البحريني ، واحد عن بيت كانو ، والثاني عن بيت التجار البحرينيين.. غير أن نموذج خالد كانو بين رجال الأعمال والإداريين الكبار, لم يتأسس في الواقع على هذه الخاصية فحسب. فثمة إجماع بين مختلف النخب البحرينية والخليجية , على أن ملكات الرجل كقائد اجتماعي , وصاحب مسئولية وطنية تواقة دائما لاجتراح المزيد في خدمة وطنه وبلده ومجتمعه ، تبرز على نحو رفيع , في تصديه الطموح للمهمات الجديدة . أما المهمة القادمة للرجل فهي جمع الشركات العائلية الخليجية في بوتقة تعاونية كبرى تقبس ارثها من وحدة المنطقة جغرافيا وتاريخيا واشتراكها في تحديات واحدة ومستقبل واحد .. وَوَصْفَتُه للنجاح بسيطة للغاية، ولكنها من السهل الممتنع:" 95 بالمائة من التعب والجهد و5 بالمائة من الحظ ".. أما ما نتمناه للرجل في طموحه فمائة بالمئة من الحظ .. والتوفيق..

الثلاثاء، 15 يوليو 2008

السلام عليك أيها المليك


السلام عليك أيها الملك..
السلام عليك.. وعلى يوم جلوسكم البهي، إذ يسافر في وجدان شعبك الوفي، وشما أصيلا، لا ينمحي، وفي تاريخ أمتك، نقشا من بهاء، وفي قصائد الشعراء بحر أمجاد، لم تتطاول إليه بحور الشعر من قبل..

السلام عليك.. أيها الملك المطوق بالجلال والرفعة والعطاء، وعلى شعبك الذي هو في قلبك مآل للوعد، وأنت في قلوبه مصدر للأمل.. فليس مثلك من ارتاد الإصلاح، وأحيا التاريخ، وكرس الحقوق، وليس مثلك من نهض بأعباء القيادة مطلقا في سماء البحرين ضوءها الأول ، وإصلاحها الأعظم ، وميثاقها الأنصع ، وليس مثلك من وقف حياته كلها في خدمة أمته، فأنعش في الذات الوطنية أنبل قيمها ، واصدق انتماءاتها ، وأكرم عطاءاتها .

والسلام عليك ، وأنت تسجل في صفحات الملوك ما يطوق ضلوع الأمة بوشاح المجد ، وسماءها بمطر المكارم ، وينثر في أرضها بذور العطاء ، فتهمي على أرواحها بالسكينة ، وعلى حاضرها بالانجاز ، وعلى مستقبلها بالوعد الأجلى من الحق ..

هو ذا عيد جلوسك ؛ يأتي من جديد : تزفه المكرمات التي ما تفتأ تنبثق من بين يديك مطرا يهمي على أرواح شعبك ، وتحفّه الأمنيات التي ما أن تدخل إلى مشارف مقامكم حتى تتحول إلى حقائق ساطعة ، وانجازات رائعة . وهو ذا عيد البحرين بك ، يعود مفعما بالآمال الكبرى التي تزرعها وعودك ؛ من أول الكبرياء في المحرق إلى آخر الفروسية في الرفاع ، ومن أول الفتح في المنامة ، إلى آخر الحماس في سترة ، ومن شموخ القصيدة في المحافظة الجنوبية ، إلى صلوات المساجد والمآتم في المحافظة الشمالية ، ومن بخور تراب الرفاع ، إلى أشواق عين عذاري ..

وهو ذا العيد السابع لانبثاق عرشك السامي في قلوب شعبك ، وثمة شيب غافل السنوات وغزا مفرقيك ، فزادك شبابا واكتسى وقارا من وقارك وجلالا من جلالك ، وثمة قلب في قلبك إتسع حتى صار بحجم وطن كامل..

السلام عليك أيها الملك ؛ يا قامة أعلى من الكتابة ، ويا غيثا أكرم من المطر ، ويا صدر الوطن الممتد من حدود النخيل إلى حدود الغيم والسحاب ..

يا صاحب الجلالة ، يا نسغ الكرامة الممتد من رسالة المنذر بن ساوى التميمي ، إلى راية احمد الفاتح ، ومن قصائد ابن هذال (1) ، إلى دستور عيسى بن سلمان ، ومن " افلاج ليلى " (2) إلى بيت الجسرة ..

يا نسل الكرام الذين قال شاعرهم:
لمن المضارب في ظلال الوادي رَيّا الرحاب تغص بالوُرّاد
الله اكــبر تلك امة يعــــــــــــرب نَفَرت من الافلاج والانجاد (3)
طوت المراحـلَ والأسنة ُشــُرّع ٌ والبيضُ متلعة ٌمن الأغماد
ومشـــت تدك البغي مشية واثق بالله ، والتاريخ ، والأمجاد

هو ذا أنت يا سيدي : المليك الذي في ضمير شعبه روح وهاجة، وعقيدة راسخة، ووطن معنوي، وجوهر ولاء أصيل، وقوة وجدانية هائلة، ومشعل وطني يهدي إلى سواء السبيل ؛ تعبيرك نابع من ضميرك، وظاهرك منسجم مع جوهرك، وقلبك متصالح مع عقلك، وموقفك مبني على قناعتك، وفعلك محكوم بمصلحة وطنك، وقراراتك نابضة بشجاعة الاختيار ، وعظمة الاقتدار، ونقاء الموقف ، وسمو المفاهيم ، وشمولية الرؤية ..

وهو ذا شعبك يلتف حولك، فيطلع التاريخ، ويصحو الكبرياء، ويستيقظ الحلم، ويبتسم الزمان.. وهو ذا شعبك يقف إلى ظل رايتك، قامته هامة نخيل، وصوته نداء مؤذن، وهتافه تكبيرة صلاة، ومبايعته تعويذة دم، وعروة وحدته ميثاقه الخالد، فلا إقليمية ولا طائفية ولا فئوية ولا مذهبية تتقدم على التزامه الوطني.

كان الشعب يتشوقك لتقيم ميزانه، فبايعتك القلوب والضمائر لتباشر قيادة هذا البلد إلى فضاءات الديمقراطية والحرية والأيام الأجمل . وحين بزغ فجرك، وطلع نجمك، فجّرت فيهم ثقافة المصالحة، وأدبيات الديمقراطية، وأبجديات الحرية، ومفاهيم الحقوق، وشموخ المسئولية، وروح التحدي، وإرادة الاقتدار..

فاستقبلتك المعاني الجميلة، وسارت بذكرك الركبان، وزهت باسمك الحروف، وحَنّت إليك القوافي، وحَجّت إليك البلاغة ، وتغنت بانجازاتك الأقلام الطاهرة، والقرائح النقية ، وشمخت بك الكتابة ، ووقف المجد في حضرتك خاشعا ومبايعا لك قائدا يدق أبواب المستقبل، وزعيما ينعقد له الأمل ويعلو به الرجاء .. فللقيادة أسرارها التي لا تودعها إلا للمختارين، وأشواقها التي لا تمنحها إلا للملهمين، ومسؤولياتها التي لا تعهد بها إلا للفرسان، ورسالتها التي لا تكشف عنها إلا لأولي العزم الذي يطاول السماء ، والمسكونين بتراث المؤسسين العظام ، والقابضين على جمر العزة والكرامة . فكنت أنت القائد والرائد والإنسان.. لا يمتطي خيلك المشككون ، ولا يهزج برايتك الأدعياء ، ولا يحدو بركابك إلا الانقياء ..

وكنت الذي علمنا ـ شعبك والمقيمين في ظل رايتك ـ كيف الموقف يأخذ شكل السيف، ودفقة القلم، ورسوخ الحق، وبهجة الانتصار. وكنت الذي علمنا كيف يكون الصبر مهيبا مثل الصلاة، وكيف يكون العفو ساطعا كالفجر والليالي العشر..

فسلام عليك: صدرك من نقاء سماء البحرين، وقامتك من نخيلها، وعيناك عاصمتا فروسية وانتصار، وعهدك ينهض الروح من سكونها، والانتظار من غفوته، والوعد من غمده، والعهد من نبوءته.. وأنت الشجاعة في زمن الخوف ، والتواضع في زمن الصلف ، والعطاء في زمن الرمادة ، والصوت الأجلى في زمن السكوت ، والإقدام في زمن التخاذل ..

وسلام عليك وأنت تؤذن بزمان بحريني جديد لا مكان فيه للأحلام المريضة ، ولا موقع فيه للصغار والمتخاذلين . انه زمنك ـ سيدي ـ؛ زمن الحق والعطاء والرسالة، زمن فجر البحرين وضحاها، وزمن الصعود إلى الذرى وما تلاها..

وسلام عليك : خشوعا في صلاة الشيوخ ، وبهجة في عيون الأطفال ، وشموخا في عنفوان الشباب ، وأغنية على ظفائر النساء .. وسلام على البحرين إذ تصعد بك ومعك إلى ذرى المعرفة والقدرة والكبرياء..

وسلام على لونك الذي من صفاء عيسى بن سلمان ، ووقفتك التي من شموخ سلمان بن حمد ، وريادتك التي من حكمة عيسى بن علي ، ورايتك البقية العتيدة من بيارق احمد الفاتح .. سلام عليهم في الخالدين الأبرار، وسلام عليك في الملوك الأخيار.. وكل عام وأنت بخير ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1 ) ابن هذال : شيخ مشايخ عنزة ، التي منها العتوب . وتعتبر قصائد ابن هذال ملاحم تاريخية روت مسيرة تحالف العتوب وهجرتهم . ( 2 ) ، ( 3 ) أفلاج ليلى : الافلاج جمع فلج ، وهو النهر الصغير الجاري . وكانت افلاج ليلى من مناطق إقامة العتوب .

حكمة القائد التاريخي .. ورسائل رجل الدولة المسئول




ثمة لكل حديث صحفي لصاحب السمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء ، رسائله وأهدافه وكلماته الخالدة وسطوره الواضحة وما بين سطوره .. وثمة لكل حديث لسموه دلالاته المرحلية واستشرافاته المستقبلية .. غير أن أحاديث سموه مع الصحفي والكاتب الكويتي احمد الجارالله ، دائما ما تحمل أكثر من رؤى الحاضر واستشرافات المستقبل ، فهي تحتفظ غالبا بنكهة التاريخ ، وتحرص على الغوص إلى بعض الملامح الشخصية ، وتبدو أقل رسمية ، وأكثر حميمية ..

وفي الحديث الصحفي الشامل والهام، الذي نشرته صحيفة "السياسة" الكويتية بالتزامن مع الصحف البحرينية، ذهبت رسائل سمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة ، إلى مقاصد عدة ، وتحركت إلى أعماق المتن السياسي العام محليا وإقليميا ، وقاربت تاريخا مجيدا ومضيئا لمدارج النهضة البحرينية التي كرست من سموه عميدا لها ، وكرس منها سموه ذخرا متناميا ومكتسبا بحرينيا خالدا..

فمن النتائج الخالدة لهذه النهضة ، أن البحرينيين اليوم لم يعودوا يريدون لبلدهم أن يكون نظيراً لأي بلد عربي آخر ، بل لعل العكس هـو الصحيح ، فالبحرين أصبحت القـدوة التي يتطلع إليها الأشقاء الآخرون ، فيستلهمون مشاريعها وبرامجها ، ويمتثلون لرؤاها ، ويعقدون فيها مؤتمراتهم ، ويمارسون فيها حرياتهم ، ويتحركون فيها بأمان.

وليس من قبيل الصدفـة أن تصبح البحرين اليوم موئلا لكثير من مؤتمرات الشراكة الإقليمية والعالمية ، وليس من قبيل الصدفة أن تحظى بكل هذه التقديرات العالمية في رشد الحكم ومتانة الاقتصاد وتنوعه وآفاقه ، وليس من قبيل القدر أن يكون لهذه المملكة الصغيرة المساحة والكبيرة الوزن ، هذا الدور الطلائعي في المستويين العربي والإقليمي .. فالمقارنة اليوم تعمل لصالح البحرين، فهي الدولة الأكثر حريـة وليبراليـة في المنطقة، والأكثر انفتاحا وتطـوراً اقتصادياً واجتماعياً، والأكثر أمناً واسـتقراراً، والأكثر ديناميكية وحركة وفعالية.

والبحرينيون اليوم ، فخورون بهذه المكانة وهذا الدور وهذه المكتسبات ، فخرهم بقيادتهم التاريخية منذ عهود الآباء المؤسسين ، إلى عهد عيسى بن سلمان أبي الدستور، إلى عهد حمد بن عيسى صانع البحرين الحديثة والعصرية ، إلى دور وانجازات خليفة بن سلمان رجل الدولة وعمود البيت .. الذي يختزل كل مسيرة الوفاء المتبادل بين القيادة والشعب حين يقول في حديثه الأخير: " لا يشغلنا اليوم، إلا أن نرد الفضل لهذا الشعب الذي صبر معنا، وكان مواكبا لمتطلبات قيادته.. وأمامنا الكثير من مشاريع التنمية التي نريد لجيلنا الحالي الذي صبر معنا أيام الحاجة أن يتمتع بها.. ونحن نعمل جاهدين للإسراع فيما يمكن أن يختصر زمن النمو وإسعاد الناس "

وحتى لا يكون العشب أكثر من الزرع والشوك أكثر من الثمر وحتى تبقى حقول النهضة خضراء مثمرة ومورقة وارفة الظل فان سموه يشدد على ضرورة التغيير والتطوير، وعدم الركون إلى السياسات الثابتة والجامدة، من اجل مواكبة التسارع العالمي والمنافسة الإقليمية.. فيقول سموه: " نحن ندرك أن الانفتاح واقتناص الفرص يحتاج إلى مرونة أكثر، واعتقد أننا أدركنا هذا، ولذا فإننا الآن ننحو منحا أكثر مرونة، وأكثر رغبة في إقرار ما تتطلبه مرحلة الانفتاح الاقتصادي، وما يستوجبه مسار اقتناص الفرص.. والحكومة اليوم أكثر مرونة، وهي توازن بين الانفتاح وبين حقيقة أن الفرص لا تنتظر قناصها.. وتوجيهاتنا للأجهزة الحكومية أن تحافظ دائما على الانسجام التام بينها وبين مؤسسات الدولة ، وان يكون أداؤها متسارعا وفق طموحات القيادة " ..

وفي التفاتة تقديرية عميقة إلى دور المشروع الإصلاحي لجلالة الملك في استدامة النهضة وتسريع مسارها من خلال المناخات التي أفضى إليها هذا المشروع الوطني الكبير ، يجدد سموه القول بالركون إلى الخيار الديمقراطي ، وان لا تراجع عنه . مؤكدا سموه التفاف الشعب حول القيادة الحكيمة لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ، وواقع الشراكة الوطنية المستدامة ، في ظل مبادئ الفصل بين السلطات ، وسيادة سلطة الشعب . فيقول سموه : " نحن نؤمن بأن الشعب هو مصدر السلطة، ونمضي به ومعه دائماً نحو الأفضل لبلدنا، وحتى الآن لا نرى أن الديمقراطية معيقة لخططنا التنموية، وأعتقد انه في أجواء الحراك السياسي الشفاف سنوجد وعياً يقودنا دائماً إلى الأفضل، وهذه هي مرئيات صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة الذي هندس هذا النظام، والذي هو مصدر فخر واعتزاز لنا جميعاً.. بالحراك السياسي الشفاف والنقي وطنياً سنجد أنفسنا مستقبلا قد أضفنا خصوصياتنا وموروثاتنا إلى هذا النظام، وهو أمر سيقتنع به المواطن بنفس درجة قناعة الحاكم"..

وكعادة خليفة بن سلمان ؛رجل الدولة الوفي ، والزعيم الذي تسير الحكمة في ركابه ، يأبى سموه في هذا الحديث مع صحيفة "السياسة" الكويتية ، إلا أن يعطي لأصحاب الفضل فضلهم ، ولأصحاب المكرمات كرامتهم ، سواء كان هؤلاء داخل حدود المملكة أو خارجها ، وسواء كان ذلك في الإطار السياسي العام أو الإطار الشخصي ، أو ضمن مساحة العمل الوطني البحريني .. فيؤكد سموه تثمينه وتقديره للأشقاء الخليجيين دعمهم الموصول للبحرين : " نحن مازلنا شاكرين وندين بالفضل لإخواننا في السعودية والكويت ودول مجلس التعاون التي وقفت معنا، وهو أمر لا نفتأ نكرره ويكرره معنا شعب البحرين الوفي" .. وفي الأبعاد الأكثر حميمية .. أبعاد الالتزامات الذاتية لرجل الدولة الذي وصفه الكاتب احمد الجارالله بأنه " عاش مع مشكلات بلده.. أفراحه وأتراحه.. واجتاز بنفاذ بصيرته مع أشقائه في بيت الحكم البحريني سنوات كثيرة من المد والجزر في منطقة كانت عرضة لرياح أزمات عاتية ".. ومن جوهرية وحقيقة هذه العمادة التاريخية لسموه ، يوجه خليفة بن سلمان رسالته الأكثر وجدانية وشفافية إلى أبناء شعبه الوفي : " إنني أرد جميل الناس الذين طوقوني بمحبتهم، ولذا تجدني أتحرك ميدانياً بكثرة، وأجوب المجالس الشعبية المفتوحة وأعيش مع الشعب أفراحه وأتراحه.. فنحن نريد للناس أن يتمتعوا بخيرات بلدهم مثلما متعونا بصبرهم وحبهم.. "

يوم عمل ميداني لسمو رئيس الوزراء









أمس، السبت، كان جميع الوزراء وكبار المسئولين وصغارهم يمارسون الكسل والاسترخاء في بيوتهم أو شاليهاتهم ويستمتعون بالراحة في يوم عطلة باهت جدا. أما صاحب السمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء ، فقد كان على رأس عمله يسابق طلوع الشمس للالتقاء بأبناء شعبه الوفي في المحرق ، ويسابق الزمن متفقدا المشروعات الحيوية التي كان سموه أمر بإنشائها ..

كان سموه يمارس الدور الذي لم يتوقف أبدا عن القيام به منذ نحو نصف قرن من الزمان : قيادة كتائب الانجازات ، وتسيير قاطرات النهضة ، وفتح آفاق التفاؤل أمام الناس ، وبناء صروح التنمية .. وكان سموه ينشر الرسالة التي لم يتوقف عن التبشير بها منذ أن تلقاها من والده سمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة : عفية ، أصيلة ، وشديدة البلاغة ؛ إنها رسالة الواجب المقدس ، نحو أبناء الشعب البحريني ، ورسالة الحقوق التي لا يدرك روحانياتها إلا أصحاب الحقوق .. ولا يؤديها كاملة غير منقوصة إلى أصحابها إلا القادة الذين تطاول قاماتهم جبهة التاريخ ، والفرسان الذين نسمع على أطراف عباءاتهم صهيل الشهامة وصليل العزة وصلوات الوفاء ..

لذلك كان خليفة بن سلمان يوم أمس ، يكرر مفردتي " الحق " و" الحقوق " ، وهو يتحدث عن مصفوفة المشروعات والانجازات التنموية والخدمية التي أمر سموه بإنشائها وإهدائها إلى أبناء الشعب الوفي في المحرق . فكان مما قاله سموه: " إن من حق الإنسان البحريني علينا أن يتمتع بأفضل الخدمات وأرقاها باعتباره محرك التنمية الذي نعتمد عليه " .. وكان مما قاله : " إن من حق المناطق والمحافظات وبخاصة تلك التي انتظرت دورها على سلم أولويات المشروعات الحكومية التنموية أن تنعم الآن بفرصتها وان الوقت قد حان ليتم التركيز عليها كي تحصل على حظها من التنمية " .

إنها نظرية القائد الذي لا يرى العالم إلا من خلال شعبه ، ولا يرى الانجاز إلا من خلال حياة مواطنيه ، ولا يرى الفرح إلا إذا كان مرتسما على ملامح وجه بحريني أصيل . وإنها نظرية العميد، الذي يقول: " إن أهمية المواطن لدينا تجعلنا لا نكتفي بالتقارير المرفوعة ألينا بشان المشروعات، بل تقودنا نحو الزيارات الميدانية واللقاءات المباشرة" ..


لذلك ، فخليفة بن سلمان يوم أمس في المحرق ، لم يكن رجل دولة فقط ، ولا رئيس وزراء وعميدا تاريخيا فقط. فالنظام السياسي في البحرين كان منذ البداية التي أرسى قواعدها الأجداد والآباء من الحكام الخليفيين ، قام على الأبوة البارّة، والأبناء المخلصين الطيبين، والعروة الوثقى الممتدة من وريد القيادة إلى شريان الشعب ، ومن ضمير المواطنين إلى وجدان القيادة ..

خلال الجولة الميدانية التي قام بها سمو رئيس الوزراء يوم أمس في المحرق ، عرج على المشروعات الحيوية والخدمية التي كان سموه أمر بتنفيذها ، مشددا على وجوب سرعة الانجاز ، وموجها بتعزيز هذه المشروعات بإضافات حيوية أخرى . كما وجه سموه بتنفيذ مشروع المركز الصحي الجديد بالمحرق بأسرع وقت ممكن وتعزيزه بالمرافق والخدمات التي تجعل منه مركزا صحيا متكاملا في خدماته الصحية والعلاجية.

كذلك فقد وجه سمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة إلى إعادة تأهيل المشاريع الإسكانية القديمة وتحديثها . كما اطلع على سير العمل في عدد من المشروعات، وتفقد بعض الأحياء القديمة وجال في شوارعها، والتقى بالمواطنين فيها واستمع سموه إلى ملاحظاتهم وآرائهم واحتياجاتهم. موجها إلى إعادة تأهيل عدد من هذه الأحياء وتطوير الخدمات فيها وتعزيزها بالمرافق اللازمة..

والحال ، أن زيارة سموه للمحرق يوم أمس ، كانت زيارة أداء حقوق ، وجولة بث تفاؤل ، ورحلة عمل وانجاز ، ولقاء وجدان بوجدان ..

شـــكرا خليفة




عندما تتكلم الشوارع والطرقات، فإن للمحرق أسلوبها الخاص، ونكهتها الفريدة، في التعبير عما تكنه شغاف قلبها وقلوب ساكنيها .. لذلك كتبت على شغاف شوارعها وطرقاتها: شكرا خليفة !

وعندما تتزين الشوارع والطرقات ، وتعلن بهجتها وأفراحها ، فإن للقضيبية والحورة وأم الحصم زينتها الأكثر بهاء وفرحها الأكثر دلالة وبهجة. لذلك زينت شوارعها بعبارة: شكرا خليفة !

وعندما يكون عليك أن تدلي بشهادتك عن قائد يسندك ضعيفاً ويرعاك مريضاً ويحضنك طفلاً ويؤازرك محتاجا ويواسيك مهموما، فان الكلمات في العادة تتراجع أمام من لا يستطيع أن يسمو إلى نبله إلا الصمت. لذلك جاء تعبير المحرق عن محبتها لسمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة مختزلا بكلمتين : شكرا خليفة !

وحين يلهج لسانك بمقولة عن قائد تقرأ في ملامحه خصوبة الأرض في موسم الشتاء، ولون النهار في موسم الربيع، فان للكلمات وجهتها التي لا تحيد عنها. لذلك حشدت الحورة والقضيبية كل محبتها وامتنانها لصاحب السمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة في كلمتين : شكرا خليفة !

شكرا خليفة.. هي العبارة الأكثر حضورا اليوم في الفضاء وعلى الأرض البحرينية..

فمن تخوم المحرق إلى أطراف الحورة والقضيبية إلى فضاءات أم الحصم ، نطالعها ماثلة على الطرقات وفي الميادين العامة : شكرا خليفة !

ومن قلب طفل في قلالي إلى جبهة كهل من رجالات السماهيج إلى ضفيرة طالبة مدرسة في أم الحصم ثمة عروة من الشكر والعرفان تجتمع إليها كل القلوب والجباه والضفائر : شكرا خليفة!

فلرجل الدولة الذي عمل سنوات عمره من اجل البحرين، ثمة يد بيضاء في كل بيت من بيوتها. وللعميد الذي منبع سعادته في وجوده بين أبناء شعبه، ثمة مكرمات تملأ تاريخ البلاد ووجدانات المواطنين ومتون المواريث الاجتماعية الواصلة بين الأجيال..

والأسبوع الماضي لم يكن استثنائيا في سجل تاريخ العطاء المكرس لسمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة ، ولكنه كان استثنائيا بالنسبة لكل عريس وعروس في القضيبية والحورة وأم الحصم ، وهم يفضون إلى مرحلة جديدة من حياتهم تحفهم مباركة خليفة بن سلمان وتشملهم مكرماته وتحيط بهم رعايته .. ولسان حالهم يقول: شكرا خليفة..

والأسبوع الماضي كان استثنائيا بالنسبة لكل مواطن في قلالي والسماهيج والدير، وهم يتلقون مصفوفة التوجيهات التي أصدرها سمو الشيخ خليفة بسلسلة متكاملة من مشاريع البنى التحتية والمرافق والخدمات والإسكان والصحة والتعليم .. لذلك كان العنوان الشعبي المواكب لكل هذه المبادرات: شكرا خليفة..

فخرية القيادة والانجازات الإنسانية لسمو الشيخ خليفة بن سلمان



تعتبر جامعة لورنس التقنية ، التي منحت صاحب السمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة شهادة الدكتوراه الفخرية في القيادة والانجازات الإنسانية ، واحدة من أعظم الجامعات الأمريكية المتخصصة في مجال القيادة . وهي من أولى الجامعات في العالم التي ابتكرت وكرست منهاجا علميا جديدا وأصيلا لتدريس علوم وفلسفات ومهارات القيادة. وهي أول جامعة في الولايات المتحدة والعالم تؤسس كلية ومركزا متخصصا للأبحاث المتعلقة بمجلس الشيوخ .. وينظر إلى الجامعة باعتبارها مركز تغذية فكري وبحثي لتعزيز القدرات والمؤهلات التشريعية والقيادية لأعضاء الكونغرس الأمريكي والعاملين معهم ..

من هنا ، يمكن فهم وإدراك القيمة المعنوية والعالمية المرموقة لشهادة الدكتوراه الفخرية في القيادة التي منحتها الجامعة لصاحب السمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس وزراء البحرين . فالشهادة بحد ذاتها تشكل تقديرا علميا موقرا من جامعة عظيمة لرجل دولة عظيم. والشهادة تمثل اعترافا أكاديميا مرموقا من مركز طلائعي في علوم القيادة ، لقائد جسد بانجازاته أنموذجا باهرا في القيادة الحصيفة ، ومثالا فريدا في تاريخية الريادة ، ولرجل دولة يحظى سجله التاريخي بانجازات قدمت الكثير للإنسانية جمعاء ، بموازاة ما قدمه سموه لشعبه في البحرين وأمته العربية .

لقد انطلقت الجامعة في العام 1932 على يد الأخوين لورنس لتكون مركزا وبؤرة وطنية مكرسة لإعداد للقيادات في عصر التقنيات المستقبلية . وكان إيمان الجامعة الراسخ بالمستقبل عاملا أساسيا في ازدهارها وتسريع نموها ، رغم أنها انطلقت في خضم الفوضى الاقتصادية إبان فترة الكساد العظيم . وهنا نقف على حالة من التشابه والتماثل القريبة جدا بين حلم الجامعة وأهدافها، من جهة، وحلم صاحب السمو الشيخ خليفة وأهدافه كمؤسس للنهضة البحرينية وصاحب دفة قيادتها، من جهة أخرى. المثال الآخر الذي يمكن مقاربته للوصول إلى حيثية مماثلة بين مسيرة رجل الدولة والجامعة ، أن أحلام سمو الشيخ وأحلام الأخوين لورنس مؤسسي الجامعة ، في صناعة المستقبل ، واجهت في بداياتها عاصفة من احتجاجات قصيري النظر وتهويماتهم المحبطة . غير أن سجية " إرادة التحدي " عند سمو الشيخ خليفة، كانت عاملا حاسما في دحض الأوهام والتخوفات القصيرة النظر، التي عجزت آنذاك عن رؤية ما تراه بصيرة سمو الشيخ من معالم المستقبل الزاهر للبحرين . وهذا تماما ما تسلح به الأخوان لورنس عندما أعلنا فكرتهما بتأسيس الجامعة في خضم فترة الكساد العظيم .. ! إنها محايثة أولية بسيطة ، ولكن معبرة ، للمقاربة بين شخصية رجل الدولة خليفة بن سلمان آل خليفة كقيادي بارع ومرموق وصاحب بصيرة استشرافية بانورامية وعميقة ، وشخصية الجامعة العريقة كمركز لتخريج القادة ، وموئل جامعي موقر أمريكيا وعالميا لأول تكريس علمي عال لمناهج القيادة الإدارية ..

وحين يتحدث" Russell E. Lawrence" مؤسس الجامعة ، عن "كآبة التكهنات السلبية والمحبطة" التي حاصره بها أصحاب الرؤية التشاؤمية والقصيري النظر ، عندما شرع في تأسيس الجامعة ، فإننا نشعر أن الرجل يتحدث عن مشاعر سمو الشيخ خليفة ، حين شرع سموه في تأسيس القاعدة الأولى للاقتصاد البحريني ، ولقيام الدولة.. كانت دائما تواجهه " كآبة التكهنات المحبطة " ولكنه كان دائما ابعد نظرا وأعمق بصيرة من التوقف عندها أو السماح لها بالتأثير على روحه المفعمة بالوطن الحلم والدولة المستهدفة ..

لكل ذلك ؛ ولمسوغات موضوعية وتاريخية عديدة ، اعتمدتها الجامعة لمنح سموه شهادة الدكتوراه الفخرية في القيادة ، يبدو اختيار جامعة لورنس التقنية تحديدا لسمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة ، كأول رجل دولة عربي يحظى بهذه الشهادة الموقرة ، منطقيا جدا ، ومتوافقا للغاية مع فلسفة الجامعة وفكرة تأسيسها وقصة نشوئها وانطلاقتها وازدهارها .. ويبدو أن الجامعة الأمريكية العريقة بحثت كثيرا في السير الذاتية لعديد من رجال الدول العالميين والعرب ؛ ويبدو أنها توقفت كثيرا عند مفاصل العظمة والقيادة الملهمة في مسيرة صاحب السمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة ؛ والجامعة موفقة في ذلك ، ولكن ما نتمناه دائما أن نتوقف نحن عند ما توقفت عنده هذه الجامعة الأمريكية ، وعند ما توقفت عنده الأمم المتحدة عندما منحت سموه جائزة الشرف للانجاز المتميز في مجال التنمية الحضرية ، وعند المحاور التي يتوقف عندها العالم وهو يتعامل بإجلال كبير مع رجل دولة كبير ، كتبت انجازاته العظيمة ، اسمه بحروف من ذهب على جبهة تاريخ رجال الدول والقادة العالميين ..

خليفة بن سلمان .. الرجل والرسالة والتاريخ


حضور صاحب السمو الشيخ خليفة في مسيرة التكوين البحريني الحديث, هو: قصة كفاح، وملحمة بطولة، وقصيدة عز، وأيقونة حب، وآية يقين، ودعاء قنوت،وصلاة إيمان..
ودور خليفة بن سلمان آل خليفة في قصة التكوين الوطني ، هو دور تأسيسي ، مركزي، لا يدانى، وحضور موضوعي يجري مع نسغ الحياة البحرينية المعاصرة ..

فقد منح سموه للدولة هويتها, وصلابتها التكوينية . ومن مدرسته تخرج أغلى وأبرز رجالاتها . ومن نتاج فكره صنعت البحرين فلسفتها ورسالتها، وصاغت خطابها الإنساني،ورسمت طريقها القويم،وانتخبت أهدافها الناجزة ..

وبرؤية سموه انتقت البحرين أعلى غصن في أعلى شجرة من أشجار الحضارة والانجاز ووشمت اسمها عليه :هدفا مستقبليا ،وغاية مرحلية ،وبعدا استراتيجيا ،ورسالة حضارية ..

ولصاحب السمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة وزن نوعي في ماضي المنطقة وحاضرها.. ومستقبلها، ودور سياسي واجتماعي في تاريخ المنطقة بأسرها , لا يقاس بالأرقام وعدد ونوعية الانجازات فقط .. بل بالقيمة والمعنى والحضور الوجداني .. إذ أن سموه استطاع دائما وفي كل المشاهد التاريخية المفصلية أن يفي أكثر فأكثر بالمهام التي يلقيها عليه التاريخ، وتستدعيها حاجة الأمة، وتتطلبها مسيرة النهضة البحرينية.

هذا ليس ما نعرفه نحن فقط ..
وهذا ليس ما نؤمن به وحدنا ..

بل هذا ما يعرفه العالم كله، وتؤمن به الدنيا كلها ، وخاصة مراكز صناعة القرار وصياغة السياسات، والمنظمات والهيئات العالمية والدولية التي ترصد انجازات الدول والأمم والرجال ..

إن مسيرة سمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة ، هي مسيرة انجازات كبرى محفوفة بمخاطر كبرى ومنعطفات حرجة اتصلت على نحو جوهري بالسجايا الرفيعة التي شكلت شخصية سموه ورسالته ، فكانت محصلة ذلك نموذجا مرموقا لرجل الدولة ذي القيادة التاريخية القادرة على تخليق الانجازات من رحم المخاطر والصعوبات ..

وان سجايا سموه ومبادراته، هي الأكثر قدرة على الاستجابة بأقصى درجة لحاجات ومتطلبات وأماني مجتمع يعيش في خضم مصالح دولية متفاوتة وقوى عالمية متناقضة، فمثلت بذلك نموذجا باهرا للقيادة التي تتمثل فيها حتمية متطلبات الأمة وتطلعاتها وقدرية دورها ورسالتها.

وسمو الشيخ خليفة ـ إلى جانب كل ذلك ـ رجل دولة يتسم بالذكاء الحاد وقوة المبادرة والطاقة الكبيرة والحزم وسعة فهم الأبعاد الاجتماعية والتاريخية لبلده وللعالم من حوله.. وهو سياسي جوهري، وقائد تاريخي، منذور منذ البدء لوطنه وشعبه..

ولذلك فقد كانت قيادة سموه لمسيرة النهضة البحرينية فعلا تطويريا متواصلا ، وعاملا حاسما في تخليق قوى التغيير في المجتمع عن طريق تحدي سلطة الواقع الموجود وتغييره وتهيئة مستلزمات تطورها الذاتية والموضوعية لصالح المجموع ، فعبر بذلك عن نموذج فريد بين القادة العظام في المنطقة , واستطاعت قيادته أن تطاول أعظم نظريات القيادة وأكثر نظريات الإدارة تقدما وشمولية ..

ومنذ توليه مقاليد مسيرة النهضة، اختبر سمو الشيخ خليفة مصفوفة من التجارب الإنسانية الفذة, فكانت مسيرة سموه تاريخا حافلا بالاختبارات, وقصة انجاز ثرية بالمواقف, على الصعيدين المحلي والخارجي.. فأفضت هذه المسيرة بتحدياتها الصعبة وانتصاراتها الباهرة إلى تكريس حضور سموه الإقليمي والعربي والعالمي عميدا من أبرز عمداء النهضة العربية المعاصرة , وقائدا من طليعة المؤسسين الطلائعيين . كما شهدت نجاحا ساطعا لمصفوفة السياسات الحكيمة التي اجترحها سموه على صعيد الحكم الرشيد ، والتنمية البشرية، والعطاء الإنساني ، فأثمرت المبادئ التي زرعها سموه أكلها بأسرع ما يكون الثمر , وأروع ما تكون الزراعة ، وصارت مدرسة امتثل لهداها زعماء وقادة بارزون في المنطقة ..

وتنقل سموه في الأرض شرقا وغربا في سبيل البحرين ومن أجل خير شعبها..
يحملها إلى العالم ، ويضع العالم بين يديها ..
يتغنى بها وطنا ودار أهل وعشيرة، وينشدها قصيدة حب، وسورة وفاء، وآية ازدهار، ويقرأها رسالة حضارة، وموئل عز، ومصدر سؤدد، وموطن تعددية وتنوع ثقافي وإنساني، وحصيلة وحدة وتلاحم، ونتاج إصرار وتحد..

وطاول بدولة قليلة عدد السكان وصغيرة المساحة ومحدودة الإمكانيات ، دولا مليونية العدد ، وكيانات قارية المساحة ، وممالك قارونية الثراء والمقدرات ..
فكان سموه دائما مع البحرين : في الجانب الأكثر جلاء من التاريخ .. وفي الجهة الأكثر نقاء من الواقع.. وفي الطيف الأوفر حصافة من السياسة .. وفي الضمير الأطول بقاء من الذاكرة .. وفي الجوهرة الأعمق يقينا من الوجدان البحريني ..

لذلك تتسابق الجامعات والمعاهد العالمية ، كي تطوقه بأوشحتها الرفيعة ، ويتسابق الزعماء والقادة التاريخيين ، كي يزينون صدره بأوسمتهم ، وتتسابق إليه الدول ، كي تهديه نياشينها ، وتسعى إليه المنظمات الدولية ، كي تضع شهاداتها في عهدته ، وكي تضع اسمه على طغراء سجلاتها .. رجل دولة من ضمير، وسياسيا من وجدان، وقائدا من إبداع، ورسول حضارة، وحامل راية أممية، وإنسانا يحمل البحرين في قلبه، وتحمله البحرين في ضميرها..

في عيد ميلاد المليك .. وسيد العهد


بالنسبة لملك كبير ورجل دولة فذ ومجدد ؛ بنى مسيرته منطلقا من كونه جنديا من جنود الوطن ، ومن ميادين العزة والشرف والانضباط ومنتهى الشفافية ؛ يبدو التاريخ ناصعا، جليا، ومنظورا أكثر بكثير منه عند الزعماء والقادة الذين تتشكل سيرهم الذاتية وتواريخهم من حشود الاضاءات المفتعلة ، سواء المغرقة منها بالهجاء أو المبالغة منها بالمديح والتمجيد . عاش جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة المفدى شطرا كبيرا من مسيرة حياته في ميادين الجندية ، وكولي لعهد والده سمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أمير البحرين ، فقد نأى بنفسه وبمنصبه الكبير عن الاضاءات الإعلامية . ومع ذلك فقد كان اقدر من أي قائد آخر على استقطاب المريدين الأوفياء. ورغم انهماكه المبكر بالعمل العام والسياسي إلا انه كان وما زال بلا خصوم حقيقيين ، وعلى مدى سنوات عمله وليا للعهد كان فيها محط آمال وطموحات مختلفة ومتناقضة من والده الأمير الراحل طيب الله ثراه ، ومن شعبه الوفي ، ومن التابعين لقيادته من أفراد وضباط قوة الدفاع ، فان جلالة الملك حمد لم يخذل أيا من هذه الطموحات والآمال ، رغم تناقضها واختلافاتها الجوهرية ، وكان هذا في الواقع واحدا من مفاتيح عظمة حمد بن عيسى ملكا مجددا ، وقائدا إصلاحيا ، وزعيما صانعا للتاريخ ..

*****
وبما أن أفعال جلالته خلال مسيرته وليا للعهد ، ثم أميرا للبلاد ، وملكا للمملكة العريقة ، كانت تعكس رفعة شخصيته وسمو سجاياه، فان أسلوبه كان أحيانا عرضة لعدم الفهم من الذين لم يكونوا توصلوا إلى إدراك متوازن لخصوصية دور ولي العهد في البداية ، ولشمولية الأمير والملك النهضوي والتجديدي تاليا ، في بلد تقليدي . فخلال مدة تولي جلالته منصب ولاية العهد ، لم تلتقط له صورة وراء مكتب ، كانت كل الصور التي تسجل مسيرة حياته وعمله آنذاك تلتقط في ميادين العمل : جنديا من جنود الوطن ، أو رجل دولة يحمل راية بلاده إلى آفاق الدنيا ، أو قريبا من أمير البلاد يمنحه الرأي والمشورة والدعم وشفافية القلب ، وماء العيون ، ورحيق الفكر ، وشجاعة الروح ، وجهاد الساعد . وبعد سنوات قصيرة جدا من توليه راية الحكم ، تمكنت سجايا جلالة الملك حمد وانجازاته والنجاحات التي حققها أسلوبه الإصلاحي المنفتح على الجميع من جلب أفواج المريدين إلى الجانب الذي كان فيه العاهل الإصلاحي . وكان جلالته دائما في الجانب المحق من التاريخ ، وفي الجهة الأكثر نقاء من الواقع .

*****
في رأيي أن نسبة كبيرة من البحرينيين الشباب ليس لديهم فكرة كاملة عما كانت عليه البحرين في مرحلتي الستينات والسبعينات وربما الثمانينات من القرن الماضي. وبالتالي فان فكرتهم عن الانجازات الكبرى التي حققها جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة خلال سنوات معدودة ، ليست متماسكة بالقدر الذي قد تؤدي إليه المقارنة العادلة بين ما كان وما صار . ومع ذلك فان هؤلاء جميعا يشعرون بهذا الازدهار الكبير الذي تعيشه بلدهم وهذه الوفرة التي يعيشونها في حياتهم اليومية وهذه الصروح الإنشائية الكبرى التي تعلو يوميا ، وهذه الديمقراطية والحداثة في أساليب الحكم التي يتعايشون معها .. وهم بالتأكيد يرقبون بعيون قلوبهم وعقولهم أساليب مليكهم المحبوب في السعي بهم إلى أعلى مراتب الرقي والتقدم ، ويقرؤون في خطابه الشفيف والصريح فكر هذا المليك الرائد وطموحاته ، ويواكبون البحرين الحديثة وهي تسجل كل يوم مركزا أول على مختلف المقاييس العالمية .. إن كل ذلك، وكثير غيره، جاء من خلال سياسة حكيمة انتهجها جلالة الملك حمد منذ الأيام الأولى لتوليه مقاليد الحكم، وما تزال هذه السياسة هي جوهر الحكم وفلسفة القيادة.

*****
في اليوم الثامن والعشرين من شهر يناير عام 1950، استيقظ الفجر على ميلاده وعدا بحرينيا مكللا باليقين.. واستقبلته شغاف الوطن: فارسا عربيا يغير مسار التاريخ.. وقائدا منتظرا يبحث عنه الحاضر ويتشوق إليه المستقبل.. وكانت احتياجاته زيا عسكريا وسلاحا ومعرفة يناضل بها من اجل بلده ويجاهد بها في سبيل حياة شعبه .. وقائدا، حيث كان الوطن بالنسبة إليه قيمة داخلية، والجندية حالة نفسية، والكرامة قوة ذاتية، والعروبة طاقة داخلية، ورائدا، حيث كنت منذ صباك وطفولتك مشغولا بالوطن حاضرا ومستقبلا، ومنشغلا بالمواطن أخا ورفيقا وصديقا..

وفي عهده استعادت البحرين لياقتها الدولية، ورسالتها الحضارية ، ومكانتها العالمية، وحضورها في أروقة العدالة وحقوق الإنسان ، وتقدمها على مدارج الديمقراطية والإصلاح ، ودروها المحوري .. وما زلت تمتشق سيف الإصلاح، ممتطيا صهوة الحق، وفاتحا أمام شعبك سبلا جديدة للتميز، وطرقا سديدة للرفعة، ودروبا عتيدة للكرامة والعزة..

*****
قامت سياسة جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة منذ ارتقائه سدة الحكم، على صناعة وتأهيل وتطوير المجتمع المدني " لأنه نتاج التحاور العقلاني الحر والهادئ، والإيمان بالممارسة الديمقراطية وحرية الاختلاف في الرأي" ـ كما قال جلالته في أحاديث الوعي الوطني ـ " فما كان ممكنا لنا أن نتوافق على الميثاق ومشروع الإصلاح، ثم نواصل المسيرة لولا وجود مجتمع مدني متقدم في البحرين يمثل الأساس الوطيد لانطلاق التجديد الدستوري والديمقراطي " .

بهذا ، اقتحم جلالة الملك حمد عباب الذاكرة العربية رائدا للإصلاح، فكان مقارنة مع كل زعماء وقادة العالم العربي قائد سرب الإصلاح الذاتي ورائد درب الحكم الرشيد ، فعلمنا كيف تقوم الرؤية الاستشرافية بدورها في استشعار الطريق أمام الأمة , وكيف يقوم التصميم والإصرار بدوره في اختبار التحديات أمام الدولة , وكيف تقوم القيادة بمسؤوليتها , كحاوية للثقافات , والايدولوجيات , والأجندات , والمقدرات والمواهب , لتوظيفها جميعها في خدمة المشروع النهضوي .. وبهذه الرؤية, فقد استطاع جلالته أن يحول الأزمات, إلى روافع, والتيارات المعاكسة إلى رياح مسالمة, تخدم توجهات السفينة, وتنصاع لعبقرية الربان.. وتمكن من تحويل الفراغات السرمدية بين الواقع المتخلف نسبيا , والمقدرات المحدودة , والإمكانات المتواضعة , والظروف السياسية والتاريخية العاصفة , في جهة .. والآمال والطموحات والتطلعات في جهة أخرى, إلى جسور هائلة, متينة, متماسكة, نقلت البحرين, إلى دولة تسابق الزمن, وتقتحم المستقبل, وترفع راية الريادة الحضارية على مستوى المنطقة، وراية الإصلاح على مستوى العالم العربي.

*****
ومنذ توليه مقاليد الحكم في العام 1999، عاش جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة تجربة إنسانية فذة, مليئة بالاختبارات, وثرية بالمواقف, والمحاور المركزية, على الصعيدين المحلي والخارجي.. فشهدت هذه المسيرة تكريس حضور جلالته الإقليمي والعربي والعالمي رائدا من باعثي الإصلاح العربي , وزعيما مؤسسا من طليعة المؤسسين . كما شهدت نجاحا ساطعا لمصفوفة السياسات الحكيمة التي اجترحها جلالته على صعيد الحكم الرشيد ، والنظام الديمقراطي ، والحياة البرلمانية فأعطت المبادئ التي زرعها جلالته أكلها بأسرع ما يكون الثمر , وأروع ما تكون الزراعة ، وصارت مدرسة امتثل لهديها زعماء وقادة بارزون في المنطقة , وتنقل جلالته في الأرض شرقا وغربا في سبيل هذا الوطن ومن اجل خير شعبه .. ما فتح للبحرين سبلا عديدة للريادة.. وفيما كانت مقاييس الدول من حولنا تتجدد لتستلهم الانجازات البحرينية ، وكانت البحرين تدخل في كل يوم مصفوفة جديدة من قوائم الدول الفائقة ، في التنمية البشرية ، والشفافية ، والديمقراطية ، والاستثمار ، وحرية الاقتصاد ، وتشغيل العاطلين عن العمل ، والتعليم الالكتروني ، ومدارس المستقبل ، وتمكين المرأة ..

فيا صاحب الجلالة.. ويا سيد العهد..
لك المجد وعليك السلام في يوم عيد مولدك البهي..
ولك هذه الحناجر التي تهتف بحياتك ملكا، وهذه القلوب التي تنبض بحبك قائدا، وهذه النفوس التي تزهو بمحبتك فخرا واعتزازا..
ولك ما في ضمائرنا من يقين، و ما في أقلامنا من قصائد، و ما في بحرنا من عطاء..
لأن كل الأعياد يوم أو بعض يوم.. وعيدنا بك أيام وسنوات ..
ولأن كل المناسبات تسجلها الرزنامات والمفكرات.. ومناسباتنا بك تسجلها القلوب والانجازات ..

الاثنين، 14 يوليو 2008

فاروق المؤيد.. رجل أعمال ذو مسئولية اجتماعية ومدنية


رغم كونه ظاهرة دينامية مالية نشطة تجمع بين العصرية والعراقة , وبين البورجوازية التقليدية الموروثة , والارستقراطية الحديثة .. إلا أن فاروق المؤيد, عبر دائما عن قابلية مدنية, تتفوق على مؤسسات كاملة من تلك المؤسسات, التي تسمى " مؤسسات المجتمع المدني " بكل منابرها و مجالس إدارتها وأعضائها وأنظمتها الداخلية ولوائحها التنفيذية..

ولعل الكثيرين من الذين لا يقرؤون إلا أوائل السطور وظواهر النصوص , فسروا هذا الزخم المدني عند الرجل , كما ظهر في تحركاته لتشكيل طيف أو تيار سياسي نيابي ,على انه انتقال دراماتيكي , يحدثه هذا الفاروق المؤيد مدفوعا بسطوة رأس المال , لاقتحام إقطاعية جديدة , هي هذه المرة : إقطاعية سياسية ..!

غير أن هذا التفسير في الواقع, تأويل بلا ذاكرة, وحكم بلا حيثيات, وتحليل تكتنفه نوازع "التحريم"..! وتفنيد هذا الزعم, لا يحتاج في الواقع إلى مجادلة كبرى. فالرجل حتى الآن لم يتحدث سياسة, بل في أصوليات المجتمع المدني.. وإذا كانت نخب المجتمع المدني البحريني, اعتبرت حديث الرجل سياسة, فذاك لأنها غارقة بالسياسة, إلى درجة تقويض القطاعات الأخرى على حساب قطاع السياسة الذي أصبح يقدم مهنة لمن لا مهنة له..

وفي عصر تغلب عليه الانطباعية السائدة, تستطيع أن تصنع نائبا في البرلمان بحفنة أصوات.. وتستطيع أن تصنع سياسيا بتوقيع على عريضة.. أما القادرون على حمل الرسائل الوطنية والتعبير عنها بامتلاك قابض على اعز مفرداتها , فهؤلاء يصنعون أنفسهم عبر فكر متراكم واقتدار محكم ..

إن شخصية فاروق المؤيد التي تلتقي عندها مشارف السياسة بتخوم الاقتصاد , اقرب ما يكون إلى شخصية "جون لوك" , الفيلسوف والاقتصادي والمجادل البريطاني اللاذع , وأحد المع مفكري عصر التنوير الأول .. وأول من قال بحق الأفراد في مقاومة التشريعات غير العادلة, وحق المجتمع المدني في الرقابة على المؤسسة التشريعية..

في حديث خاص مع شقيقة فاروق المؤيد, الكاتبة والإعلامية سلوى المؤيد, أشارت إلى الأب: يوسف المؤيد, بالقول انه كان صاحب نظرية في التجارة والحياة, يمكن تسميتها بـ "نظرية استثمار الأصول المعطلة".. ومن الواضح, أن فاروق المؤيد, الذي تتلمذ على هذه النظرية, أصبح أستاذا فيها. ولا شك أن دعوته لتعميد تيار اقتصادي , يدخل المعترك السياسي , عبر أكثر بواباته مشروعية , واعني بوابة التمثيل النيابي , هي تفعيل واقعي لنظرية "استثمار الأصول المعطلة " : حين تخلف التجار ورجال الأعمال وبيوتات المال والتجارة والصناعة في البحرين , عن التقاطع مع الهم الوطني بصورته التفاعلية , تراكمت تحت السطح كثير من الأصول البحرينية الناجزة والمواكبة لمسيرة وطنية واقتصادية كبرى .. ومع بروز الراديكالية بشقيها : الديني والسياسي , فان الصوت الهادئ والواقعي لتلك الأصول , تعطل في غيابة جب الخطاب والفعل السياسي بنسخته البحرينية الجديدة .. وبالتالي فقد كان لا بد لتلك الأصول الليبرالية التقليدية, أن تعود للامساك ببعض نواصي الأمور بعد أن أصبحت مشاعا..

ثمة لدينا شاهد مباشر , على الرغم من بساطته وسطحيته النسبية مقارنة مع عمق وموسوعية فكر الرجل : في إحدى الندوات العامة , تساءل فاروق المؤيد , بشيء من التعجب الساخر : لماذا نعيد إنتاج الاختلاط في الجامعات , كإشكالية مجتمعية , في الوقت الذي انتهى السابقون لنا في كل المجتمعات المماثلة ,من بحثها , وتشريعها , وتقنينها , والتعامل معها كمظهر طبيعي من مظاهر العصر ..؟! .. إننا بهذا نعطل أصلا مكتسبا , ونعود بأنفسنا إلى ما قبل تشكيل هذا الأصل , لنبدأ من الصفر ..!! أليس كذلك ؟!

غير أن فاروق, أعاد إنتاج نظرية يوسف المؤيد, من موقعه الحالي.. أي باعتباره "تايكون" القطاع الاقتصادي البحريني ..رغم أنه شخصيا يرفض هذه الكلمة او على الأقل نسبتها اليه ..

وفي السنن الطبيعية للتايكونات , فان هؤلاء يتمتعون ببراعة تجعلهم يدركون متى تكون الأفكار التي تبدو للجميع بعيدة المنال قابلة للتحقيق ..

وفي السنن الطبيعية للتايكونات , فان تفسير الآخرين لانتقالاتهم ـ التي تبدو دراماتيكية في الظاهرـ , يختلط عادة , بالتخوف , والاتهامية , والحسد , وحسابات الربح والخسارة الساذجة ..

ولكن بالنسبة لأصدقاء فاروق وعائلته والمراقبين الفاحصين لمسيرة الرجل وفكره, لم تكن هناك غرابة أو غموض في تجواله الأخير على فضاء السياسة. لقد كان نفسه: ذلك الرجل اللامع الذي لا يخشى المخاطر، المناهض للمعتقدات التقليدية، والقادر دائما على تأسيس حافظة جديدة جامعة لأرصدة متفرقة.. والتائق دائما لاجتراح خط جديد من خطوط الإنتاج ..

هو من مواليد العام 1944 . حاصل على بكالوريوس الهندسة الميكانيكية من جامعة لوجبورو ببريطانيا في العام 1966. متزوج ولديه ثلاثة أبناء وبنت واحدة. سجله الاجتماعي حافل بحشد من النشاطات والاهتمامات التي تعبر عن مسئولية اجتماعية عالية المستوى ومرموقة بامتياز يحرص الرجل على الالتزام بها. ومن موقع عمله كنائب لرئيس مجلس إدارة هيئة تنظيم سوق العمل الذي تم تشكيله بمرسوم ملكي، فقد يكون وجد فرصة لتحقيق بعض تطلعات ونظريات آمن بها دوما وطرحها في المنتديات المحلية التي شارك بها ، مدفوعا برسالة اقتصادية اجتماعية هي بعض نتاج التجارب التي اختبرها كرجل أعمال مفكر ، يحمل هما إنسانيا ويؤمن بمسئولية اجتماعية تجاه مجتمعه ووطنه ..

يرأس الرجل سلسلة لا تكاد تنتهي من مجالس الإدارة لشركات بحرينية وخليجية كبرى .. ويشارك في عضوية مجالس إدارات الشركات الأخرى . وعبارة "الذهاب إلى العمل " لها في قاموس فاروق المؤيد أكثر من مئة مرادف, تبدأ من الذهاب إلى مكتب متواضع نسبيا في باب البحرين , أو حضور اجتماع في نادي الجولف , أو رئاسة اجتماع لهيئة خيرية .. وصولا إلى اجتماع عاجل في طوكيو , يتبعه لقاء مع شريك في روما ..! وعندما يشير إلى نفسه كوكيل تجاري, فانه يعني أكثر من 300 وكالة لأسماء تجارية كبرى وشهيرة..! وحين يقول "مجال عملي" فانه يقصد التجارة والصناعة والسياحة والإعلام والبنوك والخدمات.. والماء والبترول والهواء وقليل من شعاع الشمس وضوء القمر..!

فالرجل مالك متمكن لسطوة المال . وهو يتعامل يوميا مع سطوة النفوذ . وتحرك أصابعه بعضا من سطوة الإعلام .. أما اختراقه لسطوة السياسة , فقضية أخرى , تنبع من امتلاك الرجل لرسالة وطنية .. يقول : ""عاشت البحرين أجواء ليبرالية منفتحة لعقود عدة . والمتشددون يحاولون اليوم إغلاق الباب وعدم القبول بالآخر.. إن علينا واجب استعادة تلك الهوية البحرينية الأساسية التي يحاول البعض تغيير بياناتها "..

قد يشخص البعض , هذه الرسالة بأنها نوع من التجسد الحديث , لـ "جلجامش" الساعي إلى نبتة البقاء أو الاستمرارية النامية .. وقد يراه المتفائلون, صورة عصرية لـ " بروميثيوس " الذي يجلب التقدم لقطاع يقال انه بات مهمشا , وقطاع يقال انه بات متغولا على غيره .. غير أن الأكثر أهمية من كل ذلك أن لا يلاقي هذا الاقتصادي ذي المسئولية الاجتماعية التواقة ، مصير "بروميثيوس" , فيعاقب لأعماله الصالحة ..!

الدكتور مصطفى السيد .. مهندس اليوتوبيا



بين أن تكون أو لا تكون.. شعره فاصلة هي بشكلها الفطري الخيوط التي نسج منها الدكتور مصطفى السيد نظرية صاغها في فلسفة الإدارة , وأسماها (MOCIF) .. وهو قد لا يعجبه هذا التوصيف الشاعري لنظرية أكاديمية .. ولكني استطيع أن أحيله هنا , إلى ما افرزه تطبيق هذه النظرية في شركة الخليج لصناعة البتروكيماويات .. وفي المقارنة بين ما كانت عليه هذه الشركة, وبين ما أصبحت عليه جراء تطبيق هذه النظرية, يمكن العثور على إبداعات عبقرية أيضا, نجد الطريق إليها عبر خطوط نظرية ثانية ابتدعها الدكتور السيد أيضا, واسماها (CREAMOC)..

وبين أطراف الفضاءات التي ترسمها هاتان النظريتان اللتان دخلتا القاموس الانجليزي , ومعاجم الإدارة , والفلسفة , والتخطيط الاستراتيجي , وعليهما خاتم "صنع في البحرين" يمكن العثور بسهولة على شخصية الدكتور مصطفى نفسه , ممسكا بيده اليمنى شفافية اليوتوبيا , وبيده اليسرى صرامة المعرفة الأكاديمية .. انه مهندس يوتوبيا الإدارة بحق , وهو أيضا ميكانيكي الاستراتيجيا الصناعية بجدارة , وفي المساحات الواصلة بين هذين الاقنومين تحتشد مصفوفة متكاملة من الاهتمامات والمهارات والملكات الإبداعية لترسم لنا الصورة الأكثر ايجابية ونقاء عن مصطفى السيد , كمثقف بحريني موسوعي يستطيع ببساطة متناهية أن يوظف نظريات الهندسة الميكانيكية في دفاعه عن البيئة النظيفة , ويوظف نظريات الإدارة في أطروحاته التربوية , ويوظف الدالة النافذة التي يتمتع بها في منظومة متتالية من الأعمال والمبادرات الإنسانية ..!

في النسخة البسيطة لسيرته الذاتية نقرأ انه من مواليد المنامة – 26 /10/1947 ــ, أي انه من برج "العقرب ".. ولو فتحت أي كتاب عن مواصفات أصحاب هذا البرج , لقرأت ما يلي : " بإمكانك الاتكال على مولود برج العقرب , فهو مخلص وفي حتى ما بعد النهاية . يتمتع بقدرة عبقرية على تحريك الخيوط , والنهوض بالأشياء من الرماد كشعلة متأججة . انه قوي جدا , ودود للغاية , يتمتع بكياسة مفرطة , ولكنه لا يقبل الفشل . يلحظ الأخطاء من مسافات بعيدة , ولكنه يتصف بالنبل الذي يجعله لا يكثر الإشارة إلى هذه الأخطاء . يبرع في مجال الأبحاث والإدارة . في الحياة الاجتماعية متواضع جدا, وفي الحياة العلمية متعجرف للغاية, لأنه لا يتحدث إلا واثقا, ولا يناقش إلا عن قناعة مطلقة.."

إن الذين يعرفون الدكتور مصطفى السيد عن قرب, سوف يندهشون لتطابق هذه المواصفات مع شخصية الرجل.. ولأننا عرفناه عن قرب أيضا , فسوف نضيف , أن عبقرية الرجل تكمن في قدرته الهائلة على لم شمل العناصر المتنافرة والمتباينة وحتى تلك التي لا يمكن تعيين هويتها , وجمعها في لوحة مثالية, ذات هوية جديدة , ودور ايجابي فاعل في الحياة ..! .. فهو كما قلنا مهندس اليوتوبيا العملية .. وليس ذاك الشخص الحالم بيوتوبيا نظرية تنام بين دفتي الأسطورة , وتقيم فقط في أحلام الشعراء والفلاسفة ..!

عندما وضع أسس نظريتيه (MOCIF) , و (CREAMOC) , كان مصطفى السيد يضع الأسس العملية والنظرية الواقعية لإنتاج يوتوبيا إدارية , ومؤسسية , تجعل من المثالية مناخا طبيعيا يمكن التوصل إليه بواسطة منظومة إدارية بسيطة تجمع ما بين السهل والممتنع , وتفضي إلى تشكيل فضاء حالم و منجز في نفس الوقت .. ! وقد اثبت الدكتور إمكانية تحقق هذا التشكيل عمليا , إبان قيادته لدفة شركة الخليج لصناعة البتروكيماويات , فانتقلت خلال فترة وجيزة من شركة متعثرة , إلى صرح إنتاجي متقدم وفاعل , وقادر على انتزاع شهادات النجاح والتفوق من مؤسسات الرصد ومنظمات الرقابة العالمية والإقليمية , إضافة للأرباح الكبرى التي حققتها الشركة بعد أن كان ميزانها يميل باتجاه الخسائر ..!

إن (MOCIF) , و (CREAMOC) , ليستا إلا جزءا من أطروحة الدكتور السيد التي قدمها لنيل درجة الدكتوراه في الاقتصاد والعلوم السياسية من جامعة لندن. إلا أننا اطلنا التقارب مع هاتين النظريتين, لأنهما تشكلان مفتاحا آمنا وناجزا للإفضاء إلى شخصية الرجل ومسيرته العملية والعلمية..

بدأ حياته العملية في إدارة القوى العاملة لدى شركة نفط البحرين, ولمدة 15 سنة. عمل بعدها رئيسا لمهندسي الإنتاج بإدارة الكهرباء لمدة 5 سنوات , ثم رئيسا تنفيذيا لشركة ميدال للكابلات لمدة 5 سنوات , أيضا , وبعدها مديرا عاما لشركة الخليج لصناعة البتروكيماويات , حتى اختارته العين الاستشرافية للقيادة , ليتسلم دفة القيادة الأولى في شركة نفط البحرين , رئيسا للشركة .. ! ومرة أخرى نجد أنفسنا أمام (MOCIF), و (CREAMOC).. فإستراتيجية التطوير والإبداع التي تقترحها هاتين النظريتين , لا تنحصر فقط بالإدارات المؤسسية , بل لعلها تمتد إلى إعادة تشكيل الأشخاص أنفسهم , فتفتح أمامهم الطريق تلو الطريق للمزيد من الترقي على مدارج المسؤوليات العليا .. وتجعل من عصاميتهم, خطة إستراتيجية مدروسة ومختبرة بالكثير من النجاحات الباهرة, وليس مجرد ملكات شخصية مبعثرة هنا وهناك..!

في 16 /11 /2002 , صدر المرسوم الملكي السامي بتسميته عضوا في مجلس الشورى , وكانت هذه العضوية تتويجا لقائمة ممتدة من العضويات التفاعلية للرجل , موزعة على أكثر من صعيد وفي أكثر من مجال .. فهو: رئيس جمعية الصحة والسلامة البحرينية, ورئيس الاتحاد العربي للأسمدة, وعضو جمعية المهندسين, وعضو جمعية الإداريين البحرينية, وعضو مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث, وعضو مجلس إدارة جامعة البحرين.. وحين يجد فراغا بين انشغالاته بهذه العضويات التفاعلية المتعددة , فانه يعبر عن دوره كناشط بشئون الصحة والسلامة والبيئة , وداعية تنويري في مجالات التربية و له عدة مؤلفات وقصص للأطفال ..! ولو سألته كيف يجد الوقت والتركيز للإلمام بكل هذه النشاطات وحقول العمل العام, فانه ربما يحيلك إلى (MOCIF), و (CREAMOC).. أيضا !

في مجلس الشورى, عبر الدكتور مصطفى السيد, عن شخصية تشريعية من طراز رفيع, سواء عبر مداخلاته المكثفة والمركزة, أو عبر مقترحاته, وإضافاته على القوانين ومشاريع القوانين, والتي يمكن وضعها في سياق منظومة إستراتيجية متكاملة, تتصل بصحة وسلامة البيئة والأفراد والمجتمع.. وصولا إلى صحة وسلامة القوانين نفسها ..! ومرة أخرى نجد أنفسنا أمام اليوتوبيا , التي يقول احد آبائها العظام , وهو شوبنهاور : إن أعظم ما يميز المثاليين ,أن تكون تطلعاتهم قادرة على إيقاظ حوافز الإبداع والنقاء ليس لدى الشعراء والفنانين فحسب , بل لدى الأشخاص العاديين .. وحتى الهامشيين في المجتمع ..!

الدكتور مصطفى الآن عضو في مجلس إدارة شركة طيران الخليج ، بعد أن أخلى مقعد رئاسة شركة بابكو .. وفي مسيرة مرشحة للصعود والامتداد أكثر ، فان الوسام الذي انعم به جلالة الملك ، على الدكتور السيد ، في العيد الوطني / 2007 ، يمثل تتويجا رسميا لمرحلة حافلة بالانجازات حققها السيد لنفسه ، ووطنه ، وللشركات التي أعاد صياغة تاريخها النوعي . فالوسام الملكي إذن جاء تعميدا لجهد مبدع بحريني حلق في فضاءات عديدة ، ولكنه ظل دائما مرتبطا على نحو جوهري ، بأرض البحرين ، وواقعها ، ومناخاتها ، وبيئتها ، وإنسانها ، وكان منشغلا على الدوام ، بتحقيق واحدة من أكثر المعادلات الإدارية والاقتصادية صعوبة وسهولة في نفس الوقت ، وهي المعادلة التي تعتبر أن مجرد نجاح الشركة الوطنية في صميم أعمالها وتخصصها ، لا يمثل انجازا ، بل عليها أن تكون رديفا ومساهما طلائعيا في خلق النجاحات لعناصر المحيط من حولها ، سواء كانت هذه العناصر إنسانية أو مؤسساتية أو بيئية أو اجتماعية ..

السبت، 12 يوليو 2008

محمد المطوع.. الوزير.. المستشار.. السوبر


الوزارة... كلمة تقع في اللغة في موضع محيّر وخطير.. بين الوزر في جهة , والمؤازرة والأزر في جهة أخرى .. وثمة في التاريخ السياسي البشري, وزراء جسدوا الأولى بكل شططها وتبعاتها, فكانوا وزرا على الأوطان والشعوب والسلاطين.. وثمة في نفس التاريخ, وزراء استحقوا شرف الثانية, بما هي استحقاق للتخوم التي يتطاول إليها دعاء سيدنا موسى الخالد لربه أن يهب له وزيرا يشدد به أزره..

وفي التاريخ السياسي البحريني الحديث , نعثر على وزيرين تحققت فيهما الوزارة , بما هي إمعان بالمؤازرة , وشغف لا ينتهي بشد الأزر, ونأي دائم عن المساحات التي تتخلق فيها الأوزار : الأول , هو المرحوم السيد محمود العلوي الذي كان مستشارا وزيرا , والثاني محمد المطوع الذي يمكن أن يقال عنه وزيرا مستشارا ..

وإذا كان "ويسلر" هو أول من نظر إلى وجود "دائرة ثقافية" تقوم عليها حضارة المجتمع , فان الوزير المستشار محمد المطوع , ربما يكون أول وزير عربي يرسي "دائرة ثقافية" تقوم عليها سياسة الحكومة . فخريج الفلسفة, الذي يصفه مجايلوه في جامعة الإسكندرية , بأنه كان شغوفا بالقراءة , والبحث , وتشكيل ثقافة مرموقة رفيعة , استطاع أن يكوّن نموذجه الخاص لمفهوم الوزير الموسوعي .. غير أن نموذج المطوع بين الوزراء, لم يتأسس في الواقع على هذه الخاصية فحسب. فثمة إجماع بين مختلف النخب البحرينية , على أن ملكات الرجل السياسية والإدارية , ما كان لها أن تبرز على هذا النحو الرفيع , لولا أنها تغذت مباشرة من الدائرة المحيطة بصاحب السمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء ..

في أكثر من تحليل ومقاربة لبعض الشؤون السياسية البحرينية, وصفنا محمد المطوع عندما كان وزيرا لشئون مجلس الوزراء, بأنه " الوزير السوبر".. وهو وان كان أخلى تلك الحقيبة لزميل آخر, فانه ما يزال الوزير السوبر.. وان كان الآن لا يحمل حقيبة وزارية محددة , فان موقعه ككبير لمستشاري سمو رئيس الوزراء , يضع بين يديه مفاتيح الكثير من الحقائب الوزارية ..

وإذا كانت الوزارة كما يقول الماوردي على ضربين : وزارة تفويض ووزارة تنفيذ .. فان المستشار محمد المطوع, هو المفوض الأبرز بين " رجال الرئيس ".. وهي مكانة تختزن بالتأكيد ألوانا من الكفاءات المتعددة, والملكات الرفيعة, والثقافة الموسوعية, وحسن التدبير, والإخلاص في العمل, والشغف في التعاطي مع الملفات الأكثر تعقيدا, وفك أقفالها, وحل ألغازها.. وقبل كل ذلك وبعده الولاء المطلق لـ " طويل العمر "..

يقول الثعالبي في (التواقيت) : الوزارة اسم جامع للمجد والشرف والمروءة .. وحُكي أن الخليفة المأمون العباسي كتب في اختيار وزير له: (إني التمس لأموري رجلا جامعا لخصال الخير , ذا عفة في علاقته , واستقامة في طرائقه , له صولة الأمراء , وأناة الحكماء , وتواضع العلماء , وفهم الفقهاء). وبين مجد الصحبة اللصيقة بـ " طويل العمر" , وشرف الخدمة , ومروءة الأداء , يمكن أن نعثر على كثير من خصال الرجل , الذي اصطفاه خليفة بن سلمان , على ذات المقاييس التي تمناها المأمون في وزيره ..

يمثل محمد المطوع جيلا من رجال التكنوقراط , الذين تلقوا مبادئ السياسة والإدارة في مدرسة عميد النهضة البحرينية .. وهو وان كانت تغلب عليه سمة "الارستقراطية الفكرية" , كما ظهر في بعض سجالاته مع النواب إبان كان ممسكا بمفاتيح حقيبة الوزارة , إلا انه من جيل الموظفين الذين جمعوا إلى العصامية , حسا نقديا فلسفيا عاليا , لا يؤمن بصحة أي فكرة , إلا بعد أن توضع على محك الغربلة، والنقد، والتمحيص. انه الحس الذي اعتبره "كانط " و" ميشيل فوكو"، و" ليفي ستراوس " , من ألزم لوازم رجل الدولة .. ونظنه الحس الذي اكتشفه سمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء عند الرجل , فاختاره لما اختاره إليه ..

من موظف في وزارة العمل والشئون الاجتماعية في بداية السبعينيات , صعد محمد المطوع سلم المناصب والمسؤوليات , ليرتقي مقعد مدير مكتب سمو رئيس الوزراء عام 1977 . ومن على هذا المقعد الركين الذي تشكلت عليه شخصية الرجل بطرازها البروتوكولي الرفيع , تسلم المطوع مفاتيح وزارة شئون مجلس الوزراء , جامعا إليها حقيبة الإعلام فترة من الوقت , ولتبقى هذه الوزارة ـ شئون مجلس الوزراء ـ رديفة لاسمه في كل التشكيلات والتعديلات الحكومية , حتى التعديل الذي جرى في بداية عام 2005 , حيث عين مستشارا ثقافيا لسمو رئيس الوزراء بدرجة وزير ..

حافظ محمد المطوع في البداية على دور غير مرئي في الهيكل الحكومي, حتى وهو يحمل حقيبة الإعلام, التي تستلزم منه ظهورا يفوق ظهور زملائه الوزراء.. ويؤكد العارفون بما وراء الكواليس الحكومية , انه عندما تحول إلى وزير مرئي , فانه حافظ على إظهار جزء يسير فقط من دوره الحقيقي ..

وفي العودة إلى التشكيل الأكاديمي لشخصية الرجل, نجد انه تخرج من جامعة الإسكندرية ـ قسم الفلسفة وعلم الاجتماع, في العام 1970.. ولعلنا نمسك هنا , على أول مفاتيح "الارستقراطية الفكرية" عند المطوع , كما تبرز في القاموس اللغوي الرفيع , الذي يتيح له التصرف بملكة النقد , التي عبر عنها مبكرا , ووظفها في السياسة .. ومثلما قرأ محمد المطوع في الفلسفة أن مفهوم الدولة الحديثة يعني عقلنة السياسة , فانه صاغ مفهوما مماثلا للوزارة الحديثة يتأسس على عقلنة الإدارة .. فكانت تلك مهنته ووظيفته .. وربما رسالته أيضا.. فكان بلا منازع من أكثر الرسميين مقدرة على صياغة آرائه وإخراجها على نحو تبدو معه وكأنها الحقيقة المجردة والأخيرة والتي ينبغي أن يصل إليها أولئك العاطفيون المنساقون وراء الخطاب واللغة القديمة.
لقد لخص الرئيس ترومان تجربته عندما كان كبيرا لموظفي البيت الأبيض قائلاً : " إنني اجلس هنا طوال النهار محاولا إقناع الوزراء وكبار السياسيين بعمل تلك الأشياء التي كان يجب أن يكون عندهم ما يكفي من الإحساس للقيام بها من تلقاء أنفسهم وبدون حث من جانبي " .. وهكذا كانت وظيفة محمد المطوع على مدى عقد ونصف من الزمن .. وما تزال .

عصام جناحي : على خطى جلجامش البحريني









ليقم أوتو (إله الشمس) المستقر في السماء,
بإحضار المياه الحلوة من الأرض ..
من أقاصي الأرض إلى دلمون الحبيبة
دعيه يجعل دلمون تشرب من المياه بوفرة,
فلتنتج أطيانك وحقولك قمحا..
ولتتحول مدينتك إلى مرفأ الأرض ..





" يدفع عصام جناحي القطاعين الرسمي والخاص, والنخب والعامة, إلى التنبه .. كيف؟ لديه الكثير مما يتطلع إليه كل هؤلاء : الرؤية الخلاقة والوسائل الكافية لتحقيقها .."

قبل نحو أربعة آلاف سنة, فشل جلجامش البابلي بالعثور على نبتة الخلود التي قيل له أنها موجودة في البحرين, عند البرزخ الفاصل بين الماء العذب والماء الأجاج .. غير أن عصام جناحي, الشاب البحريني المبدع والطموح, نجح بالعثور عليها مخبوءة في العقل البحريني. بل ونجح في زراعتها هنا, على أطراف البرزخ الفاصل بين ملوحة ماء الخليج, وعذوبة الأرض التي تنبت بالنخل والإبداع.. فأثمرت "المرفأ المالي", الذي وصفته وكالات الأنباء بأنه أحد أضخم المشاريع الإنشائية والمالية في الشرق الأوسط ..

وبرأسمال يزيد على المليار دولار, فإن هذا المشروع الهائل, لم يكتف باستقطاب الكثير من الاهتمام العالمي والإقليمي, بل أضفى على صاحبه أدوارا متناقضة في الظاهر , ولكنها متوافقة في الجوهر الذي عبر عنه عصام جناحي برفعة وسمو, وهو يتحدث عقب مشاركته في المنتدى العالمي للقادة الشباب الذي انعقد في مدينتي زيرمات ودافوس السويسريتين, عن مشروع "قرية الرؤية" قائلا : "لقد طرحنا مبادرة "قرية الرؤية" بهدف توجيه الرأي العام العالمي نحو نظرة متطورة وواقعية عن التغيرات التي يشهدها العالم العربي من خلال إتاحة منتدى للحوار وتبادل الآراء والأفكار بين النخب الفكرية في العالم وتقليص الفجوة المعرفية من خلال مجمعات النجاحات المتعددة التي تضمها "قرية الرؤية".. إننا واثقون بأن هذه المبادرة ستشكل حلقة الوصل بين العرب والعالم وسوف تحظى بدعم فعال من الحكومات العربية والشخصيات العالمية المؤثرة.. وتهدف القرية والمجمعات البحثية التابعة لها إلى تنمية جيل كامل من القادة العالميين الأكفاء في العالم العربي قادرين على سد الفجوة المعرفية بين العالم العربي والعالم, وتوفير بيئة يمكن فيها للأفكار والإبداعات أن تؤتي ثمارها بصورة عملية مدروسة" ..!

المرفأ المالي: تسمية لافتة في ارتباطها بشخصية صاحبها وامتدادها إلى أعماله وتوجهاته, وأفكاره المعلنة وتلك التي لم يحن أوان الإعلان عنها.. ومن هذا المرفأ , أبحر عصام جناحي إلى العالمية, حين تم اختياره ممثلا لشباب المملكة والمنطقة , في مؤتمر قمة القادة العالميين الشباب, وحين تم انتخابه باعتباره "الشخصية المصرفية الإسلامية للعام 2003" , وحين حصل على "جائزة الشرق الأوسط للشخصية التنفيذية الشابة لعام 2005"، وحين فاز بيت التمويل الخليجي تحت قيادته بجائزة "أفضل بنك إسلامي مبتكر".. أما التسمية الأكثر اتصالا بشخصية عصام جناحي وفكره والتزامه, فهي "قرية الرؤية", التي تبدو وكأنها صورة حقيقية عن البيئة الافتراضية التي يجترح فيها هذا الشاب الواعد مشروعاته العملاقة ..

يتميز عصام جناحي, بأنه شخصية ودودة , مفعم بالسمو والكرامة, ويبدو في سلام مع نفسه, على الرغم مما يتيحه له منصبه على رأس إمبراطورية مالية ضخمة من قوة طاغية .. إنه احد أقطاب عالم المال والأعمال في نسخته الحديثة, ومع انه غير مولع بالاضاءات الساطعة, إلا انه يعمل على تخليق جيل كامل من الأعمال الكثيرة السطوع في سماء المال والاقتصاد والفكر والإبداع والسياسة والاجتماع والإعلام..

ومن موقعه كرئيس تنفيذي ورئيس مجلس ادارة لبيت التمويل الخليجي ـ أحد البنوك المالية الإسلامية الاستثمارية الكبرى في الشرق الأوسط - , وعضويته في مجالس إدارات العديد من الشركات والمؤسسات المالية والمصرفية والعقارية, فإن عصام جناحي استطاع أن يكون الممثل المختار لجيل القادة العالميين الشباب الذين اختارتهم الكرة الأرضية لصناعة مستقبلها في دافوس.. ومن هذا الفضاء التمثيلي المرموق فان القائد الشاب ينشغل أيضا, في جسر هوة الفروقات الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية بين الأغنياء والفقراء .. وفي انجاز مبادلات معرفية تهدف إلى صياغة مستقبل سلمي مزدهر في المنطقة .

إن مثل هذه القضايا الصعبة تشغل دولا وحكومات بكل مقدراتها, وتتطلب حلولا مختلفة بصورة دراماتيكية, وبرامج إستراتيجية مستدامة. ولكنه يقول دائما أن علينا إن نتحرك باتجاه قبول حقيقة وجود مجتمع عالمي, يستمد قوته من تنوعنا الثقافي وتوافقنا على وحدة المصير.. ويمكن القول بجدارة أن إحساس الرجل بما يراه واجبا, كان صادقا دائما ونابعا من القلب.. وثمة أكثر من دليل على ذلك ..

ومع أن من يظهرون مثل هذا الاهتمامات مرشحون دوما ليكونوا أبطالا على المستوى القومي والنخبوي, فإن هؤلاء يعانون في الغالب من عدم الشعبية.. غير أن عصام جناحي, لا يتوقف طويلا عند هذه المفارقة, وهو يؤكد دائما على أن صوت رأس المال العربي في العالم لن يكون له تأثير في أي ساحة ما لم يكن له تأثير في وطنه قبل كل شيء. ولعل هذه القراءة الكونية العميقة هي التي شكلت الدافع لتأسيس "قرية الرؤية" كمركز شامل للتأثير في الرأي العام العالمي من خلال تنظيم الحوار وتبادل الأفكار بصورة مستدامة بين العرب وبقية أمم وشعوب العالم ..

عصام يوسف عبد الله جناحي: من مواليد المنامة ـ 23/12/1965. يحمل ماجستير إدارة الأعمال من جامعة هيل بالمملكة المتحدة ، والدكتوراه الفخرية من جامعة جينيف للدراسات الدبلوماسية والعلاقات الدولية.. يقول عنه مجايلوه في المدرسة, أنه كان يتميز منذ الصبا بالرصانة والهدوء , ويتمتع بحس كبير بالمسئولية . متمسك غيور بالتقاليد. قليل الكلام, ومتحفظ, ولكنه شديد الاعتزاز بثقافته وطاقته الفكرية العالية. أما الذين اقتربوا منه, وهو يقود واحدة من أكبر الإمبراطوريات المالية في المملكة, فيصفون شخصا ديناميكيا إلى الحد المثير للدهشة. إداري لامع, طموح جدا ونزيه, ولكنه من النوع الذي لا يكتفي بالتمني. وهو أحد مؤسسي بيت التمويل الخليجي, ورئيس مجلس إدارة مرفأ البحرين المالي, ورئيس مجلس إدارة شركة البحرين لسحب الألمنيوم, ورئيس مجلس إدارة شركة انجازات للتكنولوجيا بدبي, ورئيس مجلس إدارة شركة الخليج الأطلسي العقارية بالمملكة المتحدة, ونائب رئيس مجلس إدارة شركة الخليج للتعمير.. إضافة لسلسلة لا تكاد تنتهي من العضويات, توجها بعضوية مجلس الشورى البحريني بتاريخ 16/11/2002..

قبل ذلك تنقل عصام جناحي بين مناصب تنفيذية وإدارية عليا في عدد من كبريات الشركات والمجموعات المالية والاقتصادية في المنطقة, فشغل منصب مدير وعضو فريق الإدارة التنفيذية في بنك الاستثمار الإسلامي الأول – مملكة البحرين, ورئيس مجموعة التسويق للمؤسسات في شركة الخليج للاستثمار الإسلامي, ومساعد نائب الرئيس لتمويل الشركات والخدمات المصرفية الخاصة في بنك طيب, والمدير العام لشركة طيب للأوراق المالية, والمستشار المالي في ميريل لانش العالمية .

وعبر هذه السياحة في أكثر المناصب التنفيذية والقيادية رفعة في شركات مالية واقتصادية كبرى, فقد راكم عصام جناحي خبرة عريقة في العمل المصرفي التقليدي والإسلامي والصناعة المالية بشكل عام وتخصص في تأسيس وهيكلة وإدارة الصناديق الاستثمارية والاستثمار المباشر، وإدارة الأصول والاستشارات المالية .. غير أن الشاب الملتزم بأمته ووطنه ومبادئ دينه وثقافته المرموقة, لا يعمل على توظيف هذه الخبرات والملكات الباهرة في الأعمال وفق حسابات الربح والخسارة فقط, بل وفق حسابات الأكثر سموا ورفعة وأكثر نبلا. من ذلك, سعي الرجل لإطلاق صندوق إسلامي يكون بمثابة مجمع لصناديق التقاعد والتأمينات الاجتماعية في دول مجلس التعاون الخليجي, ويعمل طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية وضمن عائدات ثابتة ومستقرة للمستثمرين.. وبحسب جناحي, فإن هذا الصندوق يطمح لجمع 10 مليارات دولار, يتم توظيفها واستثمارها في مجالات المرابحة والاستصناع والإجارة إضافة إلى تمويل الصكوك الإسلامية ..

في بيت التمويل الخليجي تمكن عصام جناحي من إدارة مجموعة الاستثمارات المتنوعة والتي تشتمل على عدد من المشاريع الفريدة فإضافة إلى مرفأ البحرين المالي ومنتجع العرين الصحراوي ومشروع " أساطير" في دبي لاند بالإمارات العربية المتحدة، امتدت مظلة المشروعات العملاقة التي انبثقت من محفظة بيت التمويل وأفكاره، إلى الأردن وتونس والمغرب .. وغيرها.

هذا هو عصام جناحي, جلجامش البحريني المبدع, الذي بزغ هكذا كالومض. كاللحظة القاطعة. كالسرّ الذي انفتح بلا مقدمات, في عالم المال والأعمال والاستثمار والفكر العالمي, جامعا بين الالتزام بالأساسي والرئيس والشغف بالنافل والعابر والهامشي, لتكتظ مخيّلته وذاكرته، وأصابعه, وأجندته, بأكثر الإبداعات جلاء, وأبهى الابتكارات الخلاقة حداثة وإنسانية في عوالم لا محل فيها لغير المبدعين .. وقبل هذا وذاك حق امتلاك اليقين الوطني والإنساني والحلم به .. وتحقيقه..!

الجمعة، 11 يوليو 2008

جواد العريض... رجل الظل


في كتب التاريخ والسيرة , يبرز ثمة تعبير " حضر المشاهد كلها " للإشارة إلى أن الشخص المعني , كان قريبا دائما وعلى نحو شفيف بالقائد أو الزعيم .. ونحن الآن , في حضرة رجل شهد المشاهد كلها مع خليفة بن سلمان .. انه المستشار، الوزير، ونائب رئيس الوزراء الدكتور جواد بن سالم العريض..

الساسة العقلاء؛ سواء كانوا في حسبة المعارضة أو الموالاة هم أولئك الذين يقللون من التعرض الدائم لشمس الإعلام اللاذعة.. والدكتور جواد سالم العريض, ربما يكون السياسي البحريني الأقل تعرضا لشمس الإعلام, سواء كانت هذه الشمس حارقة كاوية, أو مداعبة مدغدغة.. ومع ذلك فالرجل يمتلك من الكاريزما , ما يؤهله ليكون مقصدا إعلاميا لكل صحفي منقب , ومقصدا معلوماتيا لكل كاتب مؤرخ , وجليسا مكافئا لأكثر الشعراء فحولة , وأكثر المثقفين اطلاعا وتجربة .. عداك عن التصاقه الحميم بالتاريخ السياسي البحريني الحديث , واقترابه الشفيف من التاريخ البحريني الموثق , وذاك الذي ما زال في الصدور. ولو كنت متمنيا ذاكرة ثرة, عفية, وافية, اقترب منها لأكتب أبهى النصوص وأكثرها كثافة عن البحرين, لتمنيت أن اقترب من ذاكرتين: ثانيتهما , ذاكرة جواد العريض ..

في المقاربة الأولى " لمجموعة " شخصية جواد العريض, تشعر أنك أمام بنية كاريزمية سياسية, لا تتصل بالمنصب الوزاري ـ أو الوظيفي ـ, بل تنبع من ذات الرجل.. انه في الواقع, الوزير الوحيد الذي لا يمكن أن يوصف بـ "الوزير السابق".. حتى لو كان خارج التشكيلة الوزارية ..!

يمكن وصف الرجل أيضا , بأنه رجل المهمات الصعبة .. وهي صفة التصقت بجواد العريض, شعبيا, عندما تصدى بتكليف من جلالة الملك, إلى قيادة الفريق البحريني في ذلك المعترك السياسي والتاريخي والقانوني الأهم والأكثر خطورة عبر امتداد التاريخ البحريني الحديث, واعني معترك الخلاف البحريني القطري على جزر حوار.. وما ترتب عليه من انتصار وصفه جلالة الملك حينذاك بأنه انتصار للدولتين الشقيقتين..

في تلك المرحلة من حياة العريض, تحول الدكتور جواد إلى منظار يغوص في أعماق التاريخ, وتلسكوب تصل قوة إبصاره إلى أبعد مجرات التاريخ والجغرافيا ، منقبا عن وثيقة أو حدث أو شهادة, يدافع بها عن الحق البحريني العتيد.. وتحول السياسي جواد إلى حملة علاقات عامة متنقلة وواسعة النطاق للتبشير بالحق البحريني.. وتحول القانوني جواد إلى "شرلوك هولمز" وثائقي , لا يكتفي بقراءة ما يرى , بل بما لا يراه الآخرون .. !

ومن نافذة معترك حوار .. أطل جواد العريض, على فرادة عزيزة وذات قيمة عالية: فهو المسئول البحريني الوحيد الذي ورد اسمه صراحة في أكثر من خطاب ملكي موجه للعالم حينا, وللشعب البحريني حينا, ولصفوة من المؤرخين والأكاديميين والسياسيين حينا آخر.. !! .. هل ثمة مجال لأكثر من ذلك ؟! .. نعم, فجواد العريض, هو الوزير والمسئول الوحيد الذي ورد اسمه في الخطاب الملكي مقرونا بالشعور بالعرفان للرجل.. وهذه بحد ذاتها فرادة عزيزة غالية, تتطاول لأجلها أعناق الرجال.. ولكنها أيضا , دلالة نبيلة من قائد نبيل , على انجازات جندي حاذق ومخلص من جنود الوطن ..

وقبل حوار , كانوا قليلين جدا اؤلئك الذين سمعوا باسم جواد العريض خارج البحرين .. فالرجل زاهد في الاضاءات الإعلامية إلى حد الغموض .. ويبدو انه يعتنق المقولة الشهيرة " الطيور التي تصيح كثيراً لا تصطاد شيئاً “.. وفي مجال السياسة بما هي إدارة, فالرجل صياد ماهر, ونقاد حاذق, ومُنـَظـّر لا يشق له غبار.. وظل يوصف على مدى مرحلة كاملة بأنه رجل الظل , والمُنـَظـّر الخفي، غير المرئي في السياسة الداخلية البحرينية، شأن مخرج الفيلم الذي لا يظهر في أي مشهد غير انه حاضر في جميع جزئيات العمل.

كتب جواد العريض , وثيقة ميلاده الفكري والقومي , على "ديسك" المعارضة , حين كان طالبا جامعيا , يتقاطع حماسه الوطني والعروبي , مع موجات المد القومي الناصري .. غير انه لم يلبث كثيرا , حتى تحرر من ربقة تلك العباءة الفضفاضة , وان كان بقي مخلصا للفكر العروبي والقومي .. ثم كتب وثيقة ميلاده السياسي, في عام 1970, حين أصبح طبقا للمرسوم رقم (3) لسنة 1970 رئيسا لدائرة العمل والشئون الاجتماعية وعضوا في مجلس الدولة.. ومنذ ذلك الوقت, لم يغب اسمه قط عن العمل الحكومي والوزاري.. فكان وزيرا للصحة, ووزير دولة لشئون مجلس الوزراء, ووزير دولة بلا حقيبة, ووزير دولة لشئون البلديات وشئون البيئة, ووزيرا للعدل.. ومستشارا لسمو رئيس الوزراء.. وأخيرا نائبا لرئيس مجلس الوزراء ..

وهو يوصف أيضا, باعتباره مؤسس وزارات.. فقد أسس لوزارة العمل والشئون الاجتماعية, ثم أسس لوزارة شئون مجلس الوزراء, ثم لوزارة الصحة, وأسس لوزارة العدل بإطارها المنفصل عن وزارة الشئون الإسلامية.. وبهذه الحيثية وغيرها , فجواد العريض مؤسسة وطنية متحركة , وقاموس بيروقراطي وتكنوقراطي يمشي على الأرض .. ولو حكى لقال الكثير.. ولو تذكر لفردت ذاكرته قاعدة بيانات تاريخية حاشدة بالكثير الكثير.. فمن يا ترى تشرق عليه شمس الحظ , فيمتلك "الباسوورد" الذي يفتح هذه القاعدة ..؟!

الشيخ عبد الله بن خالد آل خليفة.. شيخ المخضرمين


عندما يلتقي الشيخ عبد الله بن خالد آل خليفة, مع أبنائه وأحفاده وانسبائه على عشاء "عائلي".. فان اللقاء يكاد يكون اجتماعا لمجلس وزراء..!!

وإذا كان يقال عن فاطمة بنت عبد الملك بن مروان أنها "شجرة الخلفاء" , لأنها بنت الخليفة ابن الخليفة , وأخت الخليفة , وزوجة الخليفة , وعمة الخليفة .. فان الشيخ عبد الله بن خالد آل خليفة, هو " شجرة الوزارة", فهو الوزير, ابن الوزير, أبو الوزراء, وعم الوزراء..
وبهذه الحيثية؛ وبالتقاء رجل الدولة مع رجل القلم.. فإن الشيخ عبد الله بن خالد آل خليفة , يمتلك الوجاهتين : وجاهة السياسة .. ووجاهة القلم..!

يرى أبو الحسن الأخفش أن الخضرمة هي التناهي في الكثرة والسعة .. ومنها سمي الرجل الذي شهد عصرين: مخضرماً، وكأنه استوفى ميزات العصرين وثقافتيهما.. واذا كانت هذه الكلمة الصّفة تليق بأحد من رجالات البحرين اليوم , فإن الشيخ عبد الله بن خالد هو شيخ المخضرمين وعميدهم . فالرجل عاصر على امتداد تاريخ البحرين السياسي: حاكمين, وأميرا, وملكا.. والرجل عاصر حروب القرن العشرين التي أعادت تشكيل الكرة الأرضية ، فاختبر العالم في عهد الامبريالية الاستعمارية ، وفي مرحلة القوتين الأعظم ، ثم في مرحلة القوة الواحدة ..

ولد الشيخ عبد الله بن خالد عام 1922 فوقف مع البحرين وهي تطل على مشارف القرن العشرين, وخالطها وهي تعيش كل لحظاتها التاريخية منذ ذلك الوقت وحتى الآن.. فكان ـ أمد الله في عمره ـ نخلتها التي غرست جذورها في العمق السرمدي لتاريخها , وصار لاتصاله الحميم بهذا التاريخ , الذي عاشه والذي قرأه , والذي كشف عن مخبوئه , والذي وثـّقه , الشاهد الصدوق على عصورها وعهودها .. ولما يزل كالعنقاء يطاول الزمن , مولعا بآثاره , ومنقبا عن مأثوراته , ومضفيا عليه من مآثره ..

الذين يقتربون من الشيخ عبد الله بن خالد, يدركون كم لا يزال هذا العالم الوقور الجليل في مقتبل العمر..! وكم لا يزال قلبه يانعا اخضرا , وكم لا تزال ذاكرته كعطائه , يمر عليهما الزمن فلا يزيدهما إلا تعتقا وثراء وتدفقا ..

هو مؤرخ عتيق .. بل شيخ المؤرخين وعمادهم , وعمدة الموثقين وإمامهم , وعلم القضاة وأميرهم , وعميد الوزراء وأبوهم وعمهم .. وهو بين هؤلاء كلهم ؛ الجليل عطاء والوفير قدرا و العلي مكانة , على تواضع لا تلقاه إلا عند أساطين العلماء , وأريحية لا تفوز بها إلا عند ملوك الرجال ..

وشيخنا بعد كل هذا وذاك , من جيل الرواد المؤسسين , ومن رجالات الدولة الأفذاذ العصاميين : دخل الحياة العامة سنة 1951 , قاضيا في محاكم البحرين .. ومنذ هذه اللحظة الدهرية , انطلق يؤسس لأركان الثقافة والتدوين في البحرين , جامعا بين ريادة المبادرة, وريادة التكليف . فبحفنة من الكتب , بادر إلى تأسيس أول مكتبة عامة في البحرين , عام 1954 , هي المكتبة الخليفية .. وبمقدرات تتعدى الملايين , وطموح يجاوز الـ 250 ألف كتاب , بادر مسنودا بالرغبة والتكليف الساميين إلى تأسيس مكتبة عيسى بن سلمان , التي أعلن عنها عام 2000 .. وبين هذين التاريخين المتطرفين في الظروف والمقدرات والإمكانيات والوسائل , حافظ الشيخ عبد الله بن خالد على أحقية الشهادة على العصر أولا , وعلى تلك العلاقة الشفيفة بالكتب والمخطوطات والآثار والمأثورات ثانيا , وأنصف شهادته على العصر , وعشقه الشفيف للآثار والكتب والتاريخ , عندما عهد إليه جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عام 1978 بتأسيس ورئاسة مركز الوثائق التاريخية , الذي استوعب حتى الآن أكثر من 60 ألف وثيقة عن تاريخ البحرين ..!

ومن الوثائق والتأريخ , إلى الميثاق بما هو عروة وثقى بين الشعب والقائد , وحركة مدية من حركات التاريخ البحريني البهي , يبادر الشيخ الجليل إلى رئاسة لجنة الميثاق مكلفا من سيد العهد , فيختزل شهادته كلها على العهود والعقود , بتلك الوثيقة الخالدة على مر الأزمان : ميثاق العمل الوطني ..

كل هذا العطاء, ولما نزل بعد على التخوم الأولى لشخصية الشيخ.. فثمة في السجل الكثير , وثمة في الجعبة ما تفيض به الكتب , فكيف بمقالة محدودة الكلمات والمساحة ..

في عام 1962 بادر إلى تأسيس بلدية الرفاع , وشغل رئاستها حتى عام 967 , حيث ارتضاه سمو الشيخ خليفة بن سلمان , خليفة له على رئاسة بلدية المنامة .., فجمع الرياستين : رئاسة بلدية العاصمة , و معها رئاسة أول مجلس للتخطيط والتنسيق أنشئ عام 1969. وفي عام 1971 , كان ضمن التشكيل الأول , للحكومة البحرينية الأولى , حيث شغل وزارة الزراعة والبلديات .. ثم في الحكومة الثانية وزيرا للعدل والشئون الإسلامية , ووزيرا للتجارة والزراعة بالوكالة , ليحمل لقب "ذي الوزارتين" بعد أن حمل لقب "ذي الرياستين" .. ثم بعد ذلك وزيرا للعدل والشئون الإسلامية , ووزيرا للشئون الإسلامية , عندما انفصلت عنها حقيبة العدل .. ولكنه هنا , جمع إلى الوزارة منصب نائب رئيس مجلس الوزراء .. فبقيت جعبة الألقاب والمناصب مترعة بالتعدد والتنوع .. إلى أن حمل أمانة رئاسة المجلس الإسلامي الأعلى التي يشغلها حاليا ..
غير أن الرجل لم يكن عبر حياته العملية والوظيفية يبحث عن دور.. فالأدوار هي كانت تبحث عنه دائما. ولعله شاء لهاجس البحث عنده أن يبقى خالصا للكتب والوثائق والتاريخ .. فكان إضافة لاهتمامه باقتناء الكتب والمخطوطات, شغوفا بالإبحار في غمارها, تواقا لتجسيدها مرة أخرى في كتب ومؤلفات من صوغ قلمه, فأضاف للمكتبة التاريخية البحرينية كتابه السفر "البحرين عبر التاريخ", وللمكتبة الفكرية والإسلامية كتابه " رؤى إسلامية من وحي القرآن".. فجمع بذلك أيضا , رياستي الفكر والسياسة ..

انه عالم حاشد بالأدوار والمناصب والانجازات .. وكون يمشي على الأرض, حافل بالمكنون والمضنون, والذاكرة التي لا تخون..

في بورترية آخر , قلنا, إننا لو تمنينا الاقتراب من ذاكرة رجل , لكانت ذاكرة الوزير المستشار جواد العريض هي الذاكرة الثانية التي نتمنى امتلاك مفتاحها .. والآن نقول أن الذاكرة الأولى التي نتوق للاقتراب منها هي ذاكرة الشيخ عبد الله بن خالد آل خليفة.. أطال الله عمره , وأمد في اخضرار قلبه ..

سمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة ‮.. ‬حارس المستقبل


" بينما واصل الشيخ حمد بن عيسى تحديث البلاد , اصبح الشيخ سلمان بن حمد , القوة الاساسية المحركة لعملية التغيير السريعة في البحرين .."
بهذه العبارة استفتح الكاتب البريطاني ويتر كروفت , وصفه لطبيعة الدور الذي كان يلعبه الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة , ابان ولايته لعهد والده المغفور له الشيخ حمد بن عيسى الكبير , حاكم البحرين (1932 ـ 1942 ) وهو وصف ينطبق بالتمام والكمال والجوهر , على الدور الطليعي الذي يتصدى له حاليا سمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد القائد العام لقوة دفاع البحرين , في مسيرة التحديث والتطوير والاصلاح التي يقودها جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة : انه وحسب كثير من الشواهد , القوة الاساسية المحركة لعملية التغيير والتحديث .. والمستشار الاقرب الى الملك , وهو الذي دائما يوجد في المكتب عندما يتخذ الملك القرارات الصعبة..


جمع سمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة بين الدراسة الأكاديمية العليا، والنشأة العسكرية . فمن خلال منصبه المبكر وكيلاً لوزارة الدفاع ، اقترب حثيثاً من نفس المناخات التي شهدت النشأة الأولى لوالده جلالة الملك حمد، فعرف ميادين التدريب العسكري، وخاض غمار القيادة مبكراً. واستقطب شعبية عارمة في صفوف الشعب البحريني بمختلف فئاته، إذ اعتبر منذ فترة مبكرة للغاية معبراً حقيقياً عن آمال وطموحات جيل الشباب في البحرين، وحارساً لمستقبل البحرين القادم. وفي نفس الوقت فإن سموه كان في مختلف مفاصل عمله وأدواره وما يتصدى له من معضلات وقضايا، يبني سجلاً متماسكاً من العمل الجاد، والشخصية القيادية الكاريزمية، والتواضع، والدفاع عن حقوق الفقراء والفئات الأقل حظاً في البلاد.

إن ولاية العهد منصب . ولكن الشغف بالعمل الوطني دفع سمو الشيخ سلمان إلى تحويلها لمهنة .. وفي الأنظمة الملكية، يمكن لولاية العهد أن تعني كل شيء، أو لاشيء.. غير أن سمو الشيخ سلمان، استطاع النأي بنفسه ودوره كثيراً عن هذين الطرفين الحرجين، وأعطى لنفسه ولدوره صفة أخرى، أكثر جوهرية وأعمق تأثيراً وحضوراً، وهكذا كان وما زال يفعل في كل المناصب والمسئوليات التي تقلدها عبر مسيرة حافلة ، فمن خلال موقع سموه رئيساً لمجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث، عبر سمو الشيخ سلمان عن اهتمام حثيث بقضايا المجتمع والتنمية البشرية. وفي نفس الوقت فقد أتاح له هذا الموقع دراية كبيرة بالقضايا الإستراتيجية، وكان سموه وراء عقد مجموعة من المؤتمرات البحثية المرموقة في الشئون الإستراتيجية ، وكان سموه رؤيوياً حاذقاً، وعصرياً مبادراً عندما أعطى قضية استخدام التكنولوجيا المتقدمة في مجال الاستشعار عن بعد، اهتماماً استراتيجياً كبيراً.

كما عبر سموه عن اهتمام جوهري بالقضايا الشبابية وقضايا البحث العلمي، ورعاية العقول البحرينية والمبدعين، من خلال برنامج سموه للقيادات الشابة؛ وبرنامج ابتعاث الطلبة المتفوقين للدراسة في أعرق وأبرز الجامعات العالمية، وهما البرنامجان اللذان يعتبران من ابرز البرامج التي أخذت على عاتقها مسئولية توفير الفرص القصوى، للمبدعين ، وللمستحقين من الطلبة ذوي المعدلات العالية، لتأسيس قاعدة وطنية متميزة من المبدعين والقادة الشباب ، ومن خريجي الجامعات المؤهلين بأرقى علوم العصر وأكثرها تطوراً ومواكبة للتقدم في مختلف المجالات .

وفيما بعد، عبر سموه عن دور حاسم وجوهري في خلق امتدادات إستراتيجية جذرية للمشروع الإصلاحي الذي أعلن عنه جلالة الملك، وذلك من خلال مد مظلة الإصلاح إلى الاقتصاد البحريني . وتولى سموه قيادة المشروع الإصلاحي الكبير الذي طرح من خلاله أفكاراً ثورية في مجال رفع سوق الاقتصاد البحريني والحاقة بالاقتصاديات العالمية القوية ، فاكتسب بذلك مكانة رجل الدولة الذي يحلق في آفاق المستقبل باحثاً عن الأدوار والإمكانات المستقبلية للمملكة ، وأبنائها ، ولصورتها العالمية ، ودورها المحوري المنظور في أجندة سموه ..
.. وحاملاً لمفاتيح الإصلاح

هناك قول مأثور في البحرين وفي ردهات صناعة القرارات العالمية عن أن الدور الذي يلعبه سمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة أعمق وأكثر جذرية من الأدوار التقليدية لأولياء العهود التقليديين . بيد أن لسان حال ولي العهد الشاب الذي يفضي إلى التاسعة والثلاثين من العمر، يرد على هذه المقولة بابتسامة دبلوماسية وصمت جليل لا يحمل نفياً مطلقاً ولا تأكيداً قاطعاً. فهو من خلال قيادته لقوة دفاع البحرين يبرز كقائد عسكري يعمل بدون ضوضاء ؛ وهو من خلال رئاسته لمجلس التنمية الاقتصادية يبرز كعامل رئيسي لمفاتيح الإصلاح الاقتصادي ومعها بالطبع مفاتيح المستقبل الاقتصادي للمملكة ؛ وهو من خلال منصبه ولياً للعهد يحافظ على مسافة حكيمة ومعقولة من المراكز التقليدية لصناعة القرار ، غير أنها مسافة تسمح له بالتأثير، والتوجيه والمبادرة إن لزم الأمر. إنها مسافة الولاء لإنجازات الأب، المليك والقائد، ومسافة الوفاء لتاريخ العم والمعلم ، رئيس الوزراء وعميد النهضة، ومع ذلك فهي عند سمو ولي العهد أعمق أثراً وأصالة من كل المسافات الأخرى. ضف إلى ذلك الواقع التمثيلي الفريد الذي يتمتع به سموه كطليعة لشباب الوطن، وباعتباره القادر دائماً على خلق آليات تفاعل اقتصادي وسياسي جديد تضع أطراف المعادلتين السياسية والاقتصادية أمام مسئولياتهم للإقدام على مشروع التجديد الاقتصادي، الذي انعقدت رايته لسموه بإرادة وتكليف ملكيين ساميين ..

إن أهم أدوار أولياء العهود، في كثير من الأنظمة الملكية، هي تلك التي يلعبونها وراء الكواليس. غير أن سمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، على ما هو واضح، رجل يمقت الكواليس بطبعه. إنها لا تليق بالجنود، ولا بالملوك أيضاً.. وفرق كبير بين العمل خارج كادر الإضاءة ووراء تخوم البروتوكول، والعمل وراء الكواليس. لذلك فإن سمو الشيخ سلمان ، حين يتقدم إلى مقدمة المسرح، فإنه يتقدم مقترباً لمساندة الملك الأب والقائد. إنه يفعل ذلك مصعداً ومؤججاً من وتيرة الأشياء التي قد تكون تطلعات أو قرارات أو توجهات، فيساعدها بحكمة حصيفة وجرأة ريادية على أن تكتسب دينامية حيوية وفاعلة، وعندما تبدأ الأشياء قريبة من القطاف، فإنه يعود إلى موقع الجندي، على الخط الذي يختاره له القائد ..

إنه محرك أساسي ورئيسي من محركات التغيير وقوة طليعية أساسية. هكذا وصفه الإعلام الغربي والعربي على حد سواء ، وهو من وجهة النظر البحرينية النخبوية والشعبية : إصلاحي حقيقي من طراز رفيع، ورجل دولة مقدام، قادر دائماً على كسر التابوهات التقليدية السائدة. عبر عن ذلك قبل عملية الإصلاح، وحين بدأت العجلة بالدوران، فقد اختار موقع صمام الأمان، ورافعة التوازن بين أطراف المعادلات المتعددة؛ السياسية منها والاقتصادية ، والشعبية منها والنخبوية، مطبقاً نظريات كبار المثاليين الأخلاقيين في علم السياسة، من إيمانويل كانت إلى وودرو ويلسون . غير أن هؤلاء صاغوا نظرياتهم، وفق مبدأ ارتكز على عملية تسمى '' الاستبعاد الأخلاقي ''.. أي عدم النظر إلى الأقلية المتضررة من عملية الإصلاح. في حين كان سمو الشيخ سلمان متقدماً جداً عن هذه الفكرة . وكانت فكرته حيال مشروع إصلاحي كبير بحجم مشروع جلالة الملك، أنه لا بد من إعادة تخليق البيئة السياسية التي ينهض فيها المشروع، من غير أضرار. ووفق هذه الفكرة، كان سمو الشيخ سلمان المحرك الجوهري للجنة تفعيل الميثاق، التي قدمت قراءات عميقة جداً للحالة البحرينية، لو يتم استذكارها الآن، لقدمت مفاتيح جاهزة لكل الأبواب المغلقة، التي تعجز عن فتحها البيروقراطية السياسية، والتي تقدم للمسئول في العادة قرارات طبخت من قبل، أو جرى صقلها، لتبدو على غير ماهي عليه .. فالرجل لا يدفع من أجل اتخاذ القرار فقط؛ بل من أجل الوضوح في اتخاذه، والوضوح في فهمه، والوضوح في تنفيذه.. وقبل هذا وذاك أن يكون القرار ناضجاً تماماً، وسلساً تماماً، وان يأتي دائماً في اللحظة التاريخية المناسبة.. والمناسبة تماماً.
.. وطلائعياً مدافعاً عن مصالح المجتمع

من المشهور عن سمو الشيخ الشاب أيضاً ؛ أنه ليس من النوع الذي يشكو الزمن ويدين الواقع، ولا هو المتشائم الذي يهجو الظروف وينعي المبادرين والرواد. إنه من نوع القادة الذين يرسمون خرائط المعاني، ويبتدعون سياسات للمعرفة، بقدر ما يقتحمون مناطق جديدة للمساءلة والتفكير أو يجترحون أساليب جديدة للتطوير والتغيير .. وسمو الشيخ سلمان إلى ذلك، مدرك كبير بأن العالم لا يغيره الآن جمهور المتظاهرين أو المتمردين في الساحات العامة، كما لا يتغير بعقلية الطليعة النخبوية الجديدة المنفصلة عن واقعها وعن قواعدها الاجتماعية .. بهذا المعنى اعتمد سموه على الأفكار باعتبارها أدوات للتغيير، واتكأ على الحوار النخبوي الرفيع، باعتباره الوسيلة الأفضل لإعادة الصياغة والتشكيل، وباشر ضمن المحصلات التراكمية لكل ذلك، مشاريعه الإصلاحية القطاعية، والتي في مقدمتها إصلاح سوق العمل والإصلاح الاقتصادي ..

لقد حققت مشاريع الإصلاح الاقتصادي العربية، في غضون العقد الأخير، من النمو، أكثر مما حققت من التنمية. فالنمو تستفيد منه فئات محدودة، ولا يؤدي، بالضرورة إلى تراكم رأس المال الوطني ، وتطوير الخبرات، وتوليد فرص العمل ذات الدخل الكافي للعيش الكريم. أما مقاربات سمو ولي العهد لإصلاح سوق العمل وإصلاح الاقتصاد الوطني، فقد أنشأت سياقاً وطنياً للنقاش حول مستقبل العملية الاقتصادية والتنموية في البلاد، وطرحت ضمن هذا السياق آراء وأفكاراً وبرامج، وبلورت آليات وتوقعات، تستوعب في غضونها أجندة وطنية متكاملة لا تدير ظهرها للمطالب الملحة للأغلبية، ولا تعمل على إعلاء مصالح ''الاستثمار'' فوق مصالح المجتمع . وكانت هذه واحدة من أهم وابرز مميزات أجندة سموه التغييرية ..

وباعتباره المنظر الرئيس والقائد الحقيقي للمقاربات الإصلاحية التي توجه لها مجلس التنمية الاقتصادية، فقد أبدى سمو ولي العهد خطاً من العزيمة الواضحة لتأكيد الدور الاقتصادي ـ الاجتماعي للدولة، وقبل ذلك حماية الاقتصاد الوطني من الخضوع لهيمنة الكمبرادور التقليدي ، وإتباع نهج اقتصادي يسمح بمعالجة الفقر والبطالة ، وإصلاح التعليم، بما في ذلك خطط إعادة التأهيل وزيادة الإنتاجية المحلية، وتأمين عمالة مدربة بأجور معقولة تضمن استيعابها في الاستثمارات الموعودة.. وتعيد الاعتبار إلى الطبقة الوسطى البحرينية التي تشكل في العادة محور النشاط المحلي والوطني ..

في هذا الإطار، فإنه يحسب لصاحب السمو ولي العهد أنه استطاع في مجمل مقارباته لإصلاح سوق العمل أو إصلاح الاقتصاد الوطني ، أن يتوصل إلى المعادلة السحرية القادرة على التسوية بين مصالح المجتمع، ومصالح '' البزنس '' . فحين تكون إدارة الاقتصاد الوطني مقررة لصالح ''البزنس ''على حساب المجتمع ، تكون النتيجة شل الفئات الأكثر حيوية عن النشاط الاستثماري والاستهلاك الطبيعي، وإضعاف الطلب المحلي، وضرب القيم الاجتماعية والثقافية والأخلاقية التقليدية والاتجاه بالبلدان إلى انقسامات طبقية لا ترحم ، بين أقلية كمبرادورية وأكثرية مهمشة. وهذا في الواقع هو المعضل الذي وقعت فيه جل مشاريع الإصلاح الاقتصادي في جميع الدول العربية. وهو أيضاً المعضل الذي تمكنت مقاربات سمو ولي العهد ومشاريع مجلس التنمية الاقتصادية من تجاوزه ، وحصنت نفسها عن الوقوع فيه من خلال وصفة سحرية بسيطة ولكنها عزيزة ..

هذه الوصفة يمكن تلخيصها على النحو التالي: مهما كانت الحكومة المركزية حازمة ومخلصة، فإنها لا تملك الأدوات اللازمة للتدخل في السوق؛ خاصة إذا ما كانت هذه السوق حرة تماماً، كالسوق البحرينية. من هنا فإن الحل الفعال الذي يقترحه سمو ولي العهد يكمن في الإجراءات الاقتصادية وليس في الإجراءات الإدارية . وكان السؤال الأهم الذي طرحه سمو الشيخ سلمان ، هنا ،على النحو الآتي : إذا كانت السياسات الاقتصادية والاجتماعية محددة ولا يمكن تغييرها أو تطويرها فما الداعي إذن للديمقراطية ؟ لذلك فقد بادر سموه إلى تطوير شكل حصيف من الديمقراطية، لا بمعناها الانتخابي، ولكن بمعنى المشاركة الشعبية أو القطاعية في اتخاذ القرار. ومنها بادر سموه من خلال مجلس التنمية الاقتصادية، إلى إنتاج شكل من الديمقراطية الحوارية بين المعنيين من أجل الوصول إلى قرارات وطنية ذات حاكمية رشيدة ، قادرة على بناء أدوات اقتصادية لتأمين تدخل ناجح وقانوني في حركة السوق، ليس بالنسبة إلى السلع فقط، ولكن بالنسبة إلى أركان العملية الاقتصادية والاستثمارية والخدمات والصحة والتعليم والسكن الخ.. في عالم الإصلاح والتطوير والتحديث هناك ثلاثة أنواع من الأفكار : الأفكار البدهية ، والأفكار المستحيلة، والأفكار التي ينادي بها سمو ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة . وفي الآونة الأخيرة، وإبان جولات سمو الشيخ سلمان بن حمد على المجالس الرمضانية ، صدرت عن سموه تصريحات اعتبرت آنذاك وبحق ، خروجاً مسئولاً وجريئاً على مصفوفة التابوهات الراكدة في غضون المتن الاجتماعي والسياسي البحريني بل الخليجي . ومن المشهور عن سموه قوله في هذا الصدد : '' سوف أصل إلى أي وزير يثبت تورطه في قضايا فساد، فيد العدالة طائلة، ولا أحد فوق القانون '' . لقد اعتاد المجتمع والسياسة البحرينية على سمو ولي العهد الشاب كمصدر دائم للمبادرات التقدمية ، والأفكار الإصلاحية الأكثر عمقاً ، والأكثر محايثة لنهضة المملكة وتحقيقاً لمستقبلها الواعد وموقعها المنافس في مستقبل المنطقة . وسيبقى سموه بإذن الله قوة أساسية في صيرورة تكوين هذا المستقبل..